بعد اختراع السينما، اقتصر دور المخرج على تصوير القصة كما لو أنها عرض مسرحي. لقد كان الأخوان لوميير يثبتون الكاميرا بحيث تكون عمودية على المشهد المراد تصويره، وكان الممثلون يدخلون ويخرجون إما من اليمين، أو من اليسار بشكل أفقي، وتكون اللقطة عامة بحيث تصور كل شيء، أي باختصار، كأن الكاميرا هي مشاهد يجلس في منتصف الصف الأمامي للمسرح. لم يكن الأسلوب في بداية الأمر مهما و ضروريا بالنسبة للمخرجين السينمائيين، فقد كانت السينما في بدايتها تحاول تسجيل مسرحيات و أحداث واقعية من المعاش اليومي للإنسان. كان الهدف الأساسي من المشاهد السينمائية الأولى إبهار الناس، و لفت انتباههم إلى هذا الفن واختلافه عن التصوير الفوتوغرافي و المسرح. بدأت السينما وثائقية، و "لا يجادل أحد في أن ولادة السينما كانت بالفيلم الوثائقي، و أن هذا الأخير هو بمثابة الأب الشرعي للفيلم الروائي"[1]، حيث كانت الأفلام الأولى للأخوين لوميير (دخول القطار إلى المحطة، و خروج العمال من مصنع لوميير،...) عبارة عن مشاهد صورت بطريقة أقرب للواقعية، كما لم تطلها أية تعديلات تركيبية، ولم تضف إليها أية عناصر دخيلة عن واقعها الفيلمي. كان المخرجون الأوائل يهتمون أكثر بتصوير الأحداث اليومية للإنسان، و عرضها بصيغة نشرات إخبارية ، دون علمهم بحيثيات الجنس الفيلمي، و الأسلوب السينمائي. لم يدرك السينمائيون الأوائل معنى الأسلوب في السينما، و لم يعوا دوره في تصنيف العمل الفيلمي، فقد كانت أفلامهم تصور بعفوية أو بالصدفة، كما لم تكن أغلب العناصر الفيلمية، التي تدخل في خلق أسلوب سينمائي خاص ضمن اهتمامات المخرجين، أو لم تحضر في اعمالهم لكونها لم تكتشف بعد، وخير مثال على ذلك، عنصر المونتاج الذي لم يكن معروفا في الأفلام السينمائية الأولى. كان الهدف من صناعة الأفلام في البداية هو إمتاع فئة معينة من الجمهور بحركة الصور التي تظهر في جهاز مخصص لذلك. تطور الاهتمام بالسينما شيئا فشيئا، فظهرت نظريات تهتم بالصورة المتحركة، كما ظهرت في الواجهة تقنيات جديدة صنعت أوجها جديدة للفيلم، لم تكن معروفة من قبل، مثل البناء السردي في المحكي الفيلمي الذي برز في أفلام إدوين بورتر و ديفيد غريفيث، و المونتاج الذي ظهر بالصدفة مع جورج ميلييس، كما هو الشأن لباقي العناصر الفيلمية، من قبيل الصوت، والألوان، و المؤثرات الخاصة، و توظيف الوثيقة،
والموسيقى التصويرية و غيرها من المكونات التي يفترض أن تدخل في تشكيل الأسلوب في الفيلم السينمائي. يفترض أن يكون الحديث عن الأسلوب في السينما قد ظهر بعدما كان السينمائيون يصنفون الأفلام إلى وثائقية و روائية، و يرتبون العناصر الفيلمية حسب وظائفها و دلالاتها الفكرية و الجمالية. إن ظهور تجارب سينمائية مختلفة المشارب، و بزوغ مدارس و اتجاهات تؤسس لنظريات سينمائية متباينة (مجموعة السينما عين، و منهج إزنشتاين في المونتاج في المدرسة السينمائية السوفياتية، و الواقعية الإيطالية الجديدة، و الأسلوب الوثائقي الاثنوغرافي،...) تجتمع مجموعة من العناصر في نسق واحد لتشكل جمالية الأسلوب في عمل فيلمي معين، فالصورة بكل ما بداخل إطارها، و الشريط الصوتي بكل مكوناته، إضافة الى الألوان، و مادة المحكي الفيلمي، و المونتاج،...، كلها عناصر يفترض أن تدخل في خلق الأسلوب السينمائي خصوصا الوثائقي، كما تشكل اللبنات الأساسية في بناء الرؤية الإخراجية الخاصة بمخرج الفيلم الوثائقي.