
لن تشفى مني
قرأتُ الكثيرَ من مقالاتِ بشرى الهلالي في تناولها الذكي لليوميّ المعيش، والاجتماعي الراهن، والسياسيّ المتغيّرِ، لكنّني لمْ أكنْ أعلمُ أنّها تكتبُ قصيدة النثر (أو النصّ المفتوح) بهذا التمكّنِ الحاذقِ المكتنزِ بمفرداتِ الحرقةِ، واللوعةِ، وشدّةِ الوجد، وهي التي تصبُّ جميعها في بوتقةِ الجوى، وحسناً فعلت حينَ وسمتْ مجموعتها هذهِ بـ "لن تشفى منّي"، ففي بعضِ الجوى يتطاول المرض بتأثيرِ شدّةِ الهوى، وحرقته.
إنّها مجموعةٌ غنائيّة ٌوجدانيّةٌ جميلة، تشدُّ المتلقّي إليها شدّاً، فلا يفارقها إلا بعد أن يتلقّى آخر حرفٍ فيها على نحوٍ من الارتياحِ، فليسَ في نسيجها ما يعكّرُ صفوهُ من تعقيد الكلامِ، أو معاظلتهِ، فضلاً عن أنّ بعض نصوصها ترشَحُ جملاً دالّةً كأنّها كلماتٌ سائرةٌ، كما في قولها: (يكفيني في هذا العالمِ أنّكَ موجودٌ) وقولها: (صباح اليوم لم يوقظْني المنبّهُ، بل زجرني شوقي إليك) وقولها: (وكنتَ منشغلاً بإحكامِ درعِكَ الواقي من القلب) وقولها: (الحياة بدأتْ باثنينِ، فكيفَ أضعُ خاتمتها وحدي.)
في هذه النصوصِ تقنياتٌ فنيّة عديدة كـ (المناجاة النفسيّة) و(تقنية الراوي العليم) و(السرد الوصفي)، وغيرها. ولعلَّ المتلقّي الكريمَ سيجدُ فيها ما يؤنسهُ من صورٍ شعريّةٍ جميلة ٍعن أحوالِ أهلِ الحرقةِ، واللوعةِ، والوجد، إلى جانبِ جرأةِ صانعتِها في ولوجِ ثيمةٍ تحظر التابوات تناولها إن لم تحرّمْها.
الناقد والأديب أ.د. عبد الرضا عليّ
قصائد بشرى الهلالي مرايا مفرطة الصفاء تعكس إلتماعة روحها وخفقة بوحها الاصيل. كلماتها تغريد عذب يأتيك من بعيد فيفصح عن صدق الانفعال وندائه المحبب. تأسرك حروفها بالمبهج المدهش، ثم تكتشف انه البراءة الاخاذة التي استطاعت بالهمس والشجن والانتظار ان تكسر قيد الرتابة وتنطلق بعفوية ساحرة دون تكلف ثقيل او تصنع فج.
تجربة بشرى الهلالي تتحدث ببلاغة باسلة وسلاسة منسابة غير مكبوتة، ولكنها ممتنعة فتبوح بأسرار شعرها وشاعريتها وتتوجها موهبة غير متكررة لانها ابتكرت باقتدار بصمتها الخاصة.
الشاعر د. محمد حسين ال ياسين