
الطريق الى كهف الضبع - الجزء الثالث
إن عدم القدرة على ممارسة الحرية لا ينطوي في ذاته على تغير جوهري في بُنية الهوية الإنسانية القائمة على الحرية. وهذا ما كان عليه الإنسان على مدى عهود طويلة من تاريخه. إذ أن جوهر الصراع الذي حكم كل مراحل التطور الإنساني هو أنه كان يجسِّد على الدوام نزاعا من نوع ما بين من يريدون التحرر، ومن يريدون منعهم من ذلك. إن هذا الوضع – وهو حرمان الإنسان من الحرية – ممارسةً – مع بقائها مكونا هوياتيا جوهريا في بُنية الإنسان – قد يُمَكِّنُه من السعي للتحرُّر من قيود وأطواق الرأسمالية ذاتها. أما عدم الشعور بالحاجة إليها – أي بعدم الحاجة إلى الحرية – فيحوله إلى كائن آخر غير الإنسان المعروف، لأنه بعدم شعوره بالحاجة إليها، يكون قد فقد أهم مكون من مكوناته الهوياتية الراسخة في طبيعته الإنسانية.
إنها في واقع الأمر معركة شرسة بين فريقين متناقضي الغايات والأهداف هما:
– من يدافعون عن الطبيعة التي خلق الله الإنسان عليها، والتي هي "إلهية الجوهر" بحكم وجود الحرية المنطواة في الإرادة الإنسانية، بصفة هذه الأخيرة مكونا يجسِّد النفخة الإلهية في الإنسان.
– وأولئك الذين يريدون لهذا الإنسان أن ينسلخَ من تلك الطبيعة التي خلقه الله عليها، ويتحول إلى كائن آخر فاقد للجوهر الإلهي لإنسانيته.