Your Cart

موسم الذاكرة

On Sale
$4.00
$4.00
Added to cart
مضغا لذكرى الأجداد، أو يأسا من عقم الواقع السريالي، تجد خطوك الرتيب في حركة دائرية، كأنك في المساءات الواسعة مجرد رغوة للحضور الخصيم.. تتوزع كلماتك في الفراغات الضيقة كما تتوزع الورود في النباتات الشوكية.. كان جدك يداعب خيله على تلة نائية وسط قعقعة الفراغات الممتدة من تل رملي إلى آخر، وكان يشاهد الفرسان يعبرون من الأندلس حاملين جراحهم، مثقلين بأعباء المعركة..

كان جدك يحسب الأبعاد بين المدارات الفلكية بحصى الرمال، وهو يحفظ القصائد الجاهلية ويشارك وجدانيا في الحرب مع الزير سالم، دون أن تنبح الكلاب الضالة لتفزع الأطفال النائمين تحت الخيام العالية.. وكنت مشغولا بفلسفة الطبيعة، غارقا في السببية الحتمية لاختلاف المحيط البيئي، فصراخ الصمت المهيب في وديان الملح، والرقصات الصوفية لأغصان الطلح والأراك، واختلاط العطور العشبية في الأودية العميقة.. كلها مؤكسدات طبيعية للجاذبية النفسية نحو البحث عن الأصول...

ليس الأمر بيدك.. وليست مسبباته هي الأخرى رأي عينيك.. أو مرتع حلمك القريب.. لو أصبحت عشابا لكان ذلك على الأقل مدعاة للسخرية الغضة فيما هو موجود.. ولكنك انغمست في التماع المغارات العميقة للانهزامية المبكرة.. لتصبح الذاكرة دليلاً على أنك كنت يوما ما موجودا...

أما وقد أصبح وجودك مقتصرا على الحبر اليابس.. فأنت حالة حبرية مجردة في التفكير الجمعي لهواة التراث... من حقك أن تصرخ اليوم في الوجوه الباهتة:

أيها العابرون فوق المروج النارية، مخضبين بالطين، عابثين بالمسار، مقنعين بالفقاعات البيضاء، غارسين الأمل في حوامض التيه والضياع..

أيها الناظرون إلى النجوم البعيدة، ليس كل مرئي يدرك.. ولا كل براق مضيئا.. ولا كل مظلم شرا.. وليس كل خطو مقدما.. ولا كل اندفاع منجيا..

أيها المتعبون من رثاء الخيول والحالة العامة، الباكون على القيم النيرة، والسيرة العطرة لأمهات النهوض والانبعاث من الجاهلية الإلكترونية إلى صراط الله المستقيم...

أيها القابضون على جمر القضية العامة.. المتألمون من سهام الكل.. المستحمون من دموع الجراح الجسدية... لقد أصبحتم هدفا للرماية المسلية.. كل يرميكم في وقت فراغه بما تيسر له من صخور.. فهل أنتم شياطين في موسم الحج البشري؟!.. من زرع فيكم السكون إلى هذا الحد المظلم؟!...

تذكروا دائما أن لكم ذاكرة من حبر.. وصراطا من ضوء.. وتذكروا أنكم كنتم تطلبون السماء... تذكروا أن من تقاليد الخيل أن تعود للسباق وهي متعبة.. تذكروا.. تذكروا..

 
You will get a PDF (2MB) file