Your Cart
Loading

المراوغة بين المخاطر

تُعَدّ المخاطرة عنصرًا محوريًا في ديناميكيات ريادة الأعمال، لاسيما في سياق المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تعمل ضمن بيئات غير مستقرة اقتصاديًا وتكنولوجيًا. وبينما يُنظر إلى المخاطرة كحافزٍ جوهري لتعزيز الابتكار وتحقيق النمو، فإن المبالغة في إدارتها قد تُفضي إلى فرط في البيروقراطية وكبح ديناميكية اتخاذ القرار. لو نظرنا للمخاطرة من زوايا متعددة تشمل الأبعاد السيكولوجية والإدارية والمالية والتقنية والتنظيمية، مع استكشاف تأثيراتها على صناع القرار في هذه المشاريع، لوجدنا أنه هناك الأثر السيكولوجي للمخاطر على متخذ القرار

 

تشكل المخاطرة تحديًا إدراكيًا وسلوكيًا لصناع القرار، حيث تؤثر على آليات التقييم والاستجابة لديهم بطرق متباينة. قد يبدأ التحفيز الإدراكي والابتكار لدى بعض رواد الأعمال عندما يجدون في المخاطرة دافعًا لاستكشاف حلول جديدة، مما يُعزز عملية الابتكار. ولكن التوتر والضغوط النفسية والتعرض المستمر لحالة عدم اليقين قد يؤدي إلى اضطرابات في عملية اتخاذ القرار، مما يزيد من احتمالية التردد أو التسرع. وهنا تتفاوت آليات التكيف النفسي وتتفاوت ردود الفعل بين أصحاب المشاريع؛ فبينما يُفضّل البعض نهج التجريب والتعلم من الفشل، قد يسعى آخرون إلى تجنب المخاطر بأي ثمن. وعليه قد نجد التأثير على الأداء الشخصي بشكل واضح، بحيث يؤدي الضغط المرتبط بالمخاطرة إلى تفاوت مستويات الإنتاجية، حيث يزدهر بعض الأفراد تحت الضغط، بينما قد ينهار آخرون

 

ومثال على ذلك، عندما يكون رائد أعمال في قطاع التجزئة يقرر التوسع إلى سوق رقمي دون دراسة كافية لسلوك العملاء في التجارة الإلكترونية. رغم أن التجربة انتهت بخسائر أولية، إلا أن البيانات المستخلصة من هذا الفشل مكّنته لاحقًا من تطوير استراتيجية تسويق رقمي أكثر كفاءة، مما عزز نمو مشروعه بنسبة 40% خلال عامين. في المقابل، واجه رائد أعمال آخر في نفس القطاع ظروفًا مشابهة، لكنه استسلم سريعًا وأوقف توسع مشروعه، مما أظهر كيف يمكن لنفس المخاطرة أن تؤدي إلى نتائج مختلفة بناءً على التعامل الإدراكي والنفسي مع المخاطر

 

تؤثر المخاطرة على القرارات الإدارية والاستراتيجيات التنظيمية في الشركات الناشئة، حيث تشمل تداعياتها على التخطيط الاستراتيجي التكيفي، بحيث يمكن للمخاطرة أن تدفع الشركات لاعتماد استراتيجيات أكثر مرونة، مما يتيح استجابة أسرع للمتغيرات السوقية. والبعض قد يلجأ الى إعادة هندسة العمليات لبعض المشاريع وقد يلجأ إلى تعديل هياكلها التشغيلية لمواءمة مستوى المخاطرة مع القدرة على التكيف مع الظروف غير المتوقعة. إنما هنا تولد التحديات البيروقراطية يمكن أن تؤدي أنظمة الحد من المخاطر إلى زيادة الإجراءات الروتينية التي تُبطئ اتخاذ القرارات الحيوية. فعليه يجب عزيز المرونة التنظيمية للشركات التي تتعامل مع المخاطرة كمجال للتعلم والتطوير التنظيمي تحقق معدلات نجاح أعلى مقارنة بتلك التي تسعى لتجنبها بالكامل

 

كمثال عندما تكون إحدى الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا الطبية واجهت تعقيدات تنظيمية عطّلت إطلاق منتجها لمدة عامين بسبب التشريعات المتغيرة. لكن إعادة هيكلة إدارة المخاطر الداخلية أدت إلى استحداث آلية امتثال استباقية، مما خفف من تأثير هذه العقبات مستقبلًا. بالمقابل، وجدت شركة أخرى في نفس المجال نفسها عاجزة عن التعامل مع المتطلبات التنظيمية، مما دفعها إلى التخلي عن المنتج رغم إمكانياته الواعدة

 

ترتبط المخاطرة ارتباطًا وثيقًا بالاستقرار المالي والاستدامة، حيث تؤثر على إدارة السيولة والتدفقات النقدية وقد تؤدي المخاطرة غير المحسوبة إلى أزمات في التدفق النقدي، مما يهدد استدامة العمليات التشغيلية. لأنه في الأغلب المستثمرون يقيّمون المشاريع بناءً على قدرة الإدارة على تحليل وإدارة المخاطر، مما يؤثر على فرص جذب التمويل. فعليه أغلب مدراء المخاطر يعملون على التوازن بين المخاطر والعائد، بينما تُعتبر المخاطرة ضرورية لتحقيق العوائد المرتفعة، فإن الإفراط فيها قد يؤدي إلى انهيارات مالية. بالرغم من أن الظروف الاقتصادية والسياسية تؤثر بشكل كبير على مدى المخاطرة المقبولة في القرارات المالية

 

"في عالم المال، المخاطرة ليست العدو؛ إنما الجهل هو العدو الحقيقي." – وارن بافيت


تلعب المخاطر التقنية دورًا جوهريًا في تحديد نجاح المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث تشمل تداعياتها تحديات في الابتكار وقد تُعيق المخاطر التقنية عملية تطوير منتجات أو خدمات جديدة، ما لم يتم تخصيص موارد كافية للبحث والتطوير. خاصة عندما نصطدم في تبعات الأمن السيبراني وإدارة البيانات في المشاريع الحديثة التي تعتمد على أنظمة رقمية تتطلب استراتيجيات صارمة لحماية المعلومات الحساسة. وأغلب المخاطر التقنية تكون في جزئية التنفيذ التجريبي لتقنيات غير مجربة في استخدام حلول تكنولوجية جديدة دون اختبارات كافية قد يؤدي إلى تعطيلات تشغيلية مكلفة. وهنا تكون تكلفة التكنولوجيا عالية الاستثمار في تقنيات حديثة قد يكون مكلفًا لكنه ضروري لضمان بقاء المشروع في بيئة تنافسية

 

هناك أثر في زيادة البيروقراطية التي قد تنمو مع إدارة المخاطر عندما نحاول تحسين الكفاءة التشغيلية، ولكن قد تتحول إلى عائق بيروقراطي يعرقل الابتكار، الامتثال للقوانين يُعد ضرورة حتمية، لكنه قد يفرض قيودًا زائدة على حرية اتخاذ القرار. فيجب الانتباه الى أن الإفراط في التوثيق والإجراءات المشددة في بعض الشركات التي تنتهج نهجًا متشددًا في إدارة المخاطر، قد يؤدي إلى تعقيد العمليات وتأخير اتخاذ القرارات الحيوية. إنما التوازن بين الضبط والمرونة في السياسات الصارمة جدًا قد تمنع وقوع الأخطاء، لكنها في الوقت نفسه تحد من الإبداع والمبادرة. وهناك خطأ شائع تنتهجه أغلب الشركات هي عبارة عن التغيرات المتكررة في اللوائح القانونية التي قد تؤدي إلى تكاليف غير متوقعة للمشاريع

 

تخيل لو أن أحد رواد الأعمال ابتكر مفهومًا لمطعم يعتمد على "الطهي بالنار المفتوحة فقط"، دون كهرباء أو غاز. ولكن بعد الافتتاح بأيام، يتفاجأ بأن السلطات تغلق المطعم بسبب مشاكل تتعلق عدم إتباع إجراءات السلامة والوقاية من الحرائق

المفارقة؟ كان يمكن تجنب هذه الأزمة عبر إجراء تحليل مخاطر بسيط قبل تنفيذ الفكرة

 

تُعد المخاطرة عنصرًا حاسمًا في استدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث تمثل ركيزة للنمو والابتكار عند إدارتها بفعالية. إن الموازنة بين الجرأة والاستراتيجية في التعامل مع المخاطر تُمكّن المشاريع من تعزيز قدرتها التنافسية، في حين أن الفشل في إدارتها قد يؤدي إلى إعاقة النمو، بل وربما إلى انهيار المشروع. وعليه، فإن فهم المخاطر كفرصة تعليمية بدلاً من اعتبارها تهديدًا بحتًا يُمثل مفتاح النجاح في بيئات الأعمال الحديثة