الخبير الاستشاري د محمد طه البنيوية وما بعدها بين التأصيل الغربي والتحصيل العربي
On Sale
$0.00
$5.99
الخبير الاستشاري د محمد طه
ن
البنيوية وما بعدها بين التأصيل
الغربي والتحصيل العربي
تمهيد :
كان القراء للأدب بكافة مستوياتهم المعرفية يتعاملون مع النصوص الأدبيـة بنـوع مـن التلقائيـة
البسيطة ؛ لما تحمله من دلالات لفظية اختبأت تحت عباءة مفرداتها ، ولو تكشفت لُظهرت لنا برونقٍ
ساحرٍ، لتعكس براعة من صممها وأضفى عليها لمساته المستوحاة من إلهامه أو تجربته الشعورية ،
أومن خلال عكسه لصورة واقعه ونظرته إليه .
إنه المبدع الذي صاغ لنا المضمون ليصبه في قالب أدبي يحمل توقيعه الخاص ، فهـو المـسؤول
الأول عن صنعته التي أبدعها.
ولو رجعنا بأنفس نا إلى سنوات الدراسة الأساسية ، واستذكرنا كيفية تحليلنا للنصوص الشعرية على
سبيل المثال؛ لوجدنا أننا تعاملنا معها بسلاسة طبيعية ، توارثنا إجراءاتها النقدية جيلاً بعد جيـل ، إذ
كنا نحلق في فضاء النص كسرب طيور انطلقت من نقطة بداية معلومة ، ثم تمضى فـي مـسارات
منتظمة لتحط على أرض آمنة ، فلو قدر لها أن ترجع فسوف تعود بنفس الكيفيـة ونفـس الترتيـب
المنطقي الذي انطلقت منه وهكذا.
والبحث في النص الأدبي لم يأخذ منا عناء لفهمه والتعايش معه .وباعتقـادي ذلـك يرجـع إلـى
الأسلوب النمطي الذي انتهجناه في عملية تحليلنا ونقدنا لتلك النصوص.
ومع تطور العصر وما جاء به من متغيرات في الفكر الإنساني الذي اختلف تعامله مع الأشياء تبعاً
لتلك التغيرات التي بات لزاماً على المبدع أن يواكبها ويمضي قدماً نحوها بغية التقليد والإتباع ، أو
حباً في الاستكشاف والتجريب لكل ما هو جديد مستحدث .
ومع تزاحم المع لومات المعرفية وتوسعها في رحم الثقافة الأدبية والتي تمخضت عنها تيارات نقديـة
عديدة ، بدت ملامحها لنا من خلال احتوائها في وعاء واسع أطلق عليه المناهج النقدية المعاصـرة ،
والتي أصبحت تطبق كنظريات أدبية محاولة توضيح الكيفية التي تتشكل بها الأعمال والنـصوص
الأدبية كالقصائد والمسرحيات والقصص والروايات ... إلخ، بما تمتلكه من بنى ألسنية ، وعناصر
لغوية اتحدت مع بعضها في سياق معين تؤول دلالاتها تأويلاً يختلف من متلقٍ لآخر ومـن قـراءة
لأخرى.
والحديث عن هذه المناهج يطول ويتسع ؛ لما أحدثته من ضجة فكرية كان لها بالغ الأثر في الـنهج
الأدبي والنقدي في العالم العربي ، الذي كان مبهوراً بالعصرية الغربية ،وما تحملـه مـن موضـة
فكرية بات لزاماً عليه أن يواكبها ؛ سيما وأن مثقفينا لا ينعتون بهذا اللقب أعني الثقافـة العـصرية،
إلا إذا تقلدوا اسماً من أسماء تلك المصطلحات العصرية وانتهجوه في م سيرتهم الثقافيـة ،مطلقـين
العنان لأقلامهم في الإفضاء بما تمليه عليهم تلك المناهج من تحليلات ورؤى منبثقـة مـن تحـرر
فكري لكل الأيدلوجيات .
2
والواقع النقدي العربي بات من الطبيعي له أن يتعاطى المناهج الغربية، نتيجة المثاقفـة والانـدماج
الحضاري، والتقليد لما هو غربي بدعوى الحداثة والعصرية المتفتحة على آفاق العولمة والنهـضة
الفكرية، والتي أصبح النقاد والمبدعون منا ينجذبون نحوها كفراشات الضوء التي تحوم حولـه دون
تفكير في مصدر انبعاث هذا الضوء، المهم الانجذاب نحوه والتماهي مع بريقه.
لست في هذا المقام متحيزة أو متجنية على ما جاءت به هذه المناهج من تبعات فكرية وأيدلوجيـة،
لكن المقصود أن نجتلي ما جاءت به تلك المناهج من أفكار وتحليلات عدت قواعد نقدية يجـب أن
يلتزم بها نقادنا ومبدعونا بكل أطيافهم الأدبية.
و البنيوية ؛ ذلك المنهج الذي أثار ضجة في الأوساط الغربية ، بظهوره ابتلـع كـل الأيـدلوجيات
والمناهج القبلية في الساحة الأدبية ، ليصبح المهيمن صاحب السيادة والسلطة التوجيهية في الفكـر
الغربي، ذلك الفكر الذي كان يحتاج إلى حبة مخدر تنسيه ويلات الصراع والاضـطراب الـسياسي
الذي أنهك جسده ليصل به إلى حد الهذيان والتفلت من هذا الواقع المحبط .
واقع المآسي والحروب والتخبط الفكري للنزعات الوجودية والشيوعية، صاحبتي النفـوذ الـسياسي
والفكري والاقتصادي على المجتمع الأوروبي، ذلك المجتمع الذي ظهر من خلالـه مثقفـون كثـر
أحبوا أن يتخفوا من راديكيلياتهم والهيمنة الصماء للفكرين الوجودي والماركسي.
فلابد من إلق اء الضوء على هذا الجانب كي يتسنى لنا معرفة الأجواء السائدة إبان ظهور ما يـسمى
بالبنيوية، والتي فرضت نفسها في مجالات عدة منها الفلسفة وعلم النفس والأنثروبولوجيا وعلم اللغة
والنقد وكافة العلوم الإنسانية.
وما يعنينا هو النقد الأدبي الذي انتهج هذا المنهج بكل م ا حمله من أفكار وأسس لابد للناقد أن يسير
حثيث الخطى نحوها . ولا أعني بذلك أن أغلب المثقفين والنقاد من بحثوا عنهـا وقلـدوها لمجـرد
التقليد وإنما تسلقوا التلة البنيوية حباً في الاستطلاع أو لاتساع أفق الرؤية لديهم لينبثق من خلال هذا
الاتساع رؤى جديدة لمعرفة النص الأدبي، ذلك النص الذي لطالما أبعده دعاة البنيوية عـن الواقـع
الاجتماعي وأقاموا بينه وبين مبدعه حدوداً تفصله عن إبداعه، وعزاؤهم في ذلك أن النص يستطيع
أن ينهض بذاته من خلال معطياته البنيوية ،وعناصره اللغوية والتي تفضي إلى عدة تـأويلات دون
قيود أو إغلاق لها، بشر ط ألا يخرج عن نطاق اللغة والتي هي المادة الخام والمكون الأساسي لبنية
أي نص أدبي ينتهج البنيوية فيه كمنهج تحليلي، والتي ترى فـي الـشكل اللغـوي أول اهتماماتهـا
وآخرها.
والسؤال الذي يطرح نفسه : هل هذه الرؤية صحيحة ومجدية في التعامل مع النـصوص الأدبيـة؟
ولو كانت ص حيحة لماذا أفل نجم البنيوية بعدما سطع في سماء الفكر الغربي؟ فأتى عليه حين مـن
الدهر ودرست معالمه، لتنهض من بعده مناهج ذات صلة به ولكن بمسميات تختلف عنه كالتفكيـك
والسيمولوجيا والنصوصية ... إلخ من مسميات مختلفة والهدف واحد أو بالأحرى المعتقد واحد هـو
3
العزل بكل ما تحويه الكلمة من معنى إقصائي وإلزامي في التعامل مع النصوص الأدبية، على أنهـا
رسائل تحمل شيفرات لغوية لابد للمتلقي أن يفككها ويفهم ما تحمله من دلالات . وهل صحيح أننـا
لا بد أن نهرب من واقع الحياة وما تحمله من نبض بشري له كينونته داخل مجتمع
أنواع الترجمة
نص
مستندات
المواقع الإلكترونية
ترجمة نص
التعرّف التلقائي على اللغة
الإنجليزية
العربية
الفرنسية
swap_horiz
العربية
الإنجليزية
الإسبانية
النص المصدر
الخبير الاستشاري د محمد طه ن البنيوية وما بعدها بين التأصيل الغربي والتحصيل العربي تمهيد : كان القراء للأدب بكافة مستوياتهم المعرفية يتعاملون مع النصوص الأدبيـة بنـوع مـن التلقائيـة البسيطة ؛ لما تحمله من دلالات لفظية اختبأت تحت عباءة مفرداتها ، ولو تكشفت لُظهرت لنا برونقٍ ساحرٍ، لتعكس براعة من صممها وأضفى عليها لمساته المستوحاة من إلهامه أو تجربته الشعورية ، أومن خلال عكسه لصورة واقعه ونظرته إليه . إنه المبدع الذي صاغ لنا المضمون ليصبه في قالب أدبي يحمل توقيعه الخاص ، فهـو المـسؤول الأول عن صنعته التي أبدعها. ولو رجعنا بأنفس نا إلى سنوات الدراسة الأساسية ، واستذكرنا كيفية تحليلنا للنصوص الشعرية على سبيل المثال؛ لوجدنا أننا تعاملنا معها بسلاسة طبيعية ، توارثنا إجراءاتها النقدية جيلاً بعد جيـل ، إذ كنا نحلق في فضاء النص كسرب طيور انطلقت من نقطة بداية معلومة ، ثم تمضى فـي مـسارات منتظمة لتحط على أرض آمنة ، فلو قدر لها أن ترجع فسوف تعود بنفس الكيفيـة ونفـس الترتيـب المنطقي الذي انطلقت منه وهكذا. والبحث في النص الأدبي لم يأخذ منا عناء لفهمه والتعايش معه .وباعتقـادي ذلـك يرجـع إلـى الأسلوب النمطي الذي انتهجناه في عملية تحليلنا ونقدنا لتلك النصوص. ومع تطور العصر وما جاء به من متغيرات في الفكر الإنساني الذي اختلف تعامله مع الأشياء تبعاً لتلك التغيرات التي بات لزاماً على المبدع أن يواكبها ويمضي قدماً نحوها بغية التقليد والإتباع ، أو حباً في الاستكشاف والتجريب لكل ما هو جديد مستحدث . ومع تزاحم المع لومات المعرفية وتوسعها في رحم الثقافة الأدبية والتي تمخضت عنها تيارات نقديـة عديدة ، بدت ملامحها لنا من خلال احتوائها في وعاء واسع أطلق عليه المناهج النقدية المعاصـرة ، والتي أصبحت تطبق كنظريات أدبية محاولة توضيح الكيفية التي تتشكل بها الأعمال والنـصوص الأدبية كالقصائد والمسرحيات والقصص والروايات ... إلخ، بما تمتلكه من بنى ألسنية ، وعناصر لغوية اتحدت مع بعضها في سياق معين تؤول دلالاتها تأويلاً يختلف من متلقٍ لآخر ومـن قـراءة لأخرى. والحديث عن هذه المناهج يطول ويتسع ؛ لما أحدثته من ضجة فكرية كان لها بالغ الأثر في الـنهج الأدبي والنقدي في العالم العربي ، الذي كان مبهوراً بالعصرية الغربية ،وما تحملـه مـن موضـة فكرية بات لزاماً عليه أن يواكبها ؛ سيما وأن مثقفينا لا ينعتون بهذا اللقب أعني الثقافـة العـصرية، إلا إذا تقلدوا اسماً من أسماء تلك المصطلحات العصرية وانتهجوه في م سيرتهم الثقافيـة ،مطلقـين العنان لأقلامهم في الإفضاء بما تمليه عليهم تلك المناهج من تحليلات ورؤى منبثقـة مـن تحـرر فكري لكل الأيدلوجيات . 2 والواقع النقدي العربي بات من الطبيعي له أن يتعاطى المناهج الغربية، نتيجة المثاقفـة والانـدماج الحضاري، والتقليد لما هو غربي بدعوى الحداثة والعصرية المتفتحة على آفاق العولمة والنهـضة الفكرية، والتي أصبح النقاد والمبدعون منا ينجذبون نحوها كفراشات الضوء التي تحوم حولـه دون تفكير في مصدر انبعاث هذا الضوء، المهم الانجذاب نحوه والتماهي مع بريقه. لست في هذا المقام متحيزة أو متجنية على ما جاءت به هذه المناهج من تبعات فكرية وأيدلوجيـة، لكن المقصود أن نجتلي ما جاءت به تلك المناهج من أفكار وتحليلات عدت قواعد نقدية يجـب أن يلتزم بها نقادنا ومبدعونا بكل أطيافهم الأدبية. و البنيوية ؛ ذلك المنهج الذي أثار ضجة في الأوساط الغربية ، بظهوره ابتلـع كـل الأيـدلوجيات والمناهج القبلية في الساحة الأدبية ، ليصبح المهيمن صاحب السيادة والسلطة التوجيهية في الفكـر الغربي، ذلك الفكر الذي كان يحتاج إلى حبة مخدر تنسيه ويلات الصراع والاضـطراب الـسياسي الذي أنهك جسده ليصل به إلى حد الهذيان والتفلت من هذا الواقع المحبط . واقع المآسي والحروب والتخبط الفكري للنزعات الوجودية والشيوعية، صاحبتي النفـوذ الـ
ن
البنيوية وما بعدها بين التأصيل
الغربي والتحصيل العربي
تمهيد :
كان القراء للأدب بكافة مستوياتهم المعرفية يتعاملون مع النصوص الأدبيـة بنـوع مـن التلقائيـة
البسيطة ؛ لما تحمله من دلالات لفظية اختبأت تحت عباءة مفرداتها ، ولو تكشفت لُظهرت لنا برونقٍ
ساحرٍ، لتعكس براعة من صممها وأضفى عليها لمساته المستوحاة من إلهامه أو تجربته الشعورية ،
أومن خلال عكسه لصورة واقعه ونظرته إليه .
إنه المبدع الذي صاغ لنا المضمون ليصبه في قالب أدبي يحمل توقيعه الخاص ، فهـو المـسؤول
الأول عن صنعته التي أبدعها.
ولو رجعنا بأنفس نا إلى سنوات الدراسة الأساسية ، واستذكرنا كيفية تحليلنا للنصوص الشعرية على
سبيل المثال؛ لوجدنا أننا تعاملنا معها بسلاسة طبيعية ، توارثنا إجراءاتها النقدية جيلاً بعد جيـل ، إذ
كنا نحلق في فضاء النص كسرب طيور انطلقت من نقطة بداية معلومة ، ثم تمضى فـي مـسارات
منتظمة لتحط على أرض آمنة ، فلو قدر لها أن ترجع فسوف تعود بنفس الكيفيـة ونفـس الترتيـب
المنطقي الذي انطلقت منه وهكذا.
والبحث في النص الأدبي لم يأخذ منا عناء لفهمه والتعايش معه .وباعتقـادي ذلـك يرجـع إلـى
الأسلوب النمطي الذي انتهجناه في عملية تحليلنا ونقدنا لتلك النصوص.
ومع تطور العصر وما جاء به من متغيرات في الفكر الإنساني الذي اختلف تعامله مع الأشياء تبعاً
لتلك التغيرات التي بات لزاماً على المبدع أن يواكبها ويمضي قدماً نحوها بغية التقليد والإتباع ، أو
حباً في الاستكشاف والتجريب لكل ما هو جديد مستحدث .
ومع تزاحم المع لومات المعرفية وتوسعها في رحم الثقافة الأدبية والتي تمخضت عنها تيارات نقديـة
عديدة ، بدت ملامحها لنا من خلال احتوائها في وعاء واسع أطلق عليه المناهج النقدية المعاصـرة ،
والتي أصبحت تطبق كنظريات أدبية محاولة توضيح الكيفية التي تتشكل بها الأعمال والنـصوص
الأدبية كالقصائد والمسرحيات والقصص والروايات ... إلخ، بما تمتلكه من بنى ألسنية ، وعناصر
لغوية اتحدت مع بعضها في سياق معين تؤول دلالاتها تأويلاً يختلف من متلقٍ لآخر ومـن قـراءة
لأخرى.
والحديث عن هذه المناهج يطول ويتسع ؛ لما أحدثته من ضجة فكرية كان لها بالغ الأثر في الـنهج
الأدبي والنقدي في العالم العربي ، الذي كان مبهوراً بالعصرية الغربية ،وما تحملـه مـن موضـة
فكرية بات لزاماً عليه أن يواكبها ؛ سيما وأن مثقفينا لا ينعتون بهذا اللقب أعني الثقافـة العـصرية،
إلا إذا تقلدوا اسماً من أسماء تلك المصطلحات العصرية وانتهجوه في م سيرتهم الثقافيـة ،مطلقـين
العنان لأقلامهم في الإفضاء بما تمليه عليهم تلك المناهج من تحليلات ورؤى منبثقـة مـن تحـرر
فكري لكل الأيدلوجيات .
2
والواقع النقدي العربي بات من الطبيعي له أن يتعاطى المناهج الغربية، نتيجة المثاقفـة والانـدماج
الحضاري، والتقليد لما هو غربي بدعوى الحداثة والعصرية المتفتحة على آفاق العولمة والنهـضة
الفكرية، والتي أصبح النقاد والمبدعون منا ينجذبون نحوها كفراشات الضوء التي تحوم حولـه دون
تفكير في مصدر انبعاث هذا الضوء، المهم الانجذاب نحوه والتماهي مع بريقه.
لست في هذا المقام متحيزة أو متجنية على ما جاءت به هذه المناهج من تبعات فكرية وأيدلوجيـة،
لكن المقصود أن نجتلي ما جاءت به تلك المناهج من أفكار وتحليلات عدت قواعد نقدية يجـب أن
يلتزم بها نقادنا ومبدعونا بكل أطيافهم الأدبية.
و البنيوية ؛ ذلك المنهج الذي أثار ضجة في الأوساط الغربية ، بظهوره ابتلـع كـل الأيـدلوجيات
والمناهج القبلية في الساحة الأدبية ، ليصبح المهيمن صاحب السيادة والسلطة التوجيهية في الفكـر
الغربي، ذلك الفكر الذي كان يحتاج إلى حبة مخدر تنسيه ويلات الصراع والاضـطراب الـسياسي
الذي أنهك جسده ليصل به إلى حد الهذيان والتفلت من هذا الواقع المحبط .
واقع المآسي والحروب والتخبط الفكري للنزعات الوجودية والشيوعية، صاحبتي النفـوذ الـسياسي
والفكري والاقتصادي على المجتمع الأوروبي، ذلك المجتمع الذي ظهر من خلالـه مثقفـون كثـر
أحبوا أن يتخفوا من راديكيلياتهم والهيمنة الصماء للفكرين الوجودي والماركسي.
فلابد من إلق اء الضوء على هذا الجانب كي يتسنى لنا معرفة الأجواء السائدة إبان ظهور ما يـسمى
بالبنيوية، والتي فرضت نفسها في مجالات عدة منها الفلسفة وعلم النفس والأنثروبولوجيا وعلم اللغة
والنقد وكافة العلوم الإنسانية.
وما يعنينا هو النقد الأدبي الذي انتهج هذا المنهج بكل م ا حمله من أفكار وأسس لابد للناقد أن يسير
حثيث الخطى نحوها . ولا أعني بذلك أن أغلب المثقفين والنقاد من بحثوا عنهـا وقلـدوها لمجـرد
التقليد وإنما تسلقوا التلة البنيوية حباً في الاستطلاع أو لاتساع أفق الرؤية لديهم لينبثق من خلال هذا
الاتساع رؤى جديدة لمعرفة النص الأدبي، ذلك النص الذي لطالما أبعده دعاة البنيوية عـن الواقـع
الاجتماعي وأقاموا بينه وبين مبدعه حدوداً تفصله عن إبداعه، وعزاؤهم في ذلك أن النص يستطيع
أن ينهض بذاته من خلال معطياته البنيوية ،وعناصره اللغوية والتي تفضي إلى عدة تـأويلات دون
قيود أو إغلاق لها، بشر ط ألا يخرج عن نطاق اللغة والتي هي المادة الخام والمكون الأساسي لبنية
أي نص أدبي ينتهج البنيوية فيه كمنهج تحليلي، والتي ترى فـي الـشكل اللغـوي أول اهتماماتهـا
وآخرها.
والسؤال الذي يطرح نفسه : هل هذه الرؤية صحيحة ومجدية في التعامل مع النـصوص الأدبيـة؟
ولو كانت ص حيحة لماذا أفل نجم البنيوية بعدما سطع في سماء الفكر الغربي؟ فأتى عليه حين مـن
الدهر ودرست معالمه، لتنهض من بعده مناهج ذات صلة به ولكن بمسميات تختلف عنه كالتفكيـك
والسيمولوجيا والنصوصية ... إلخ من مسميات مختلفة والهدف واحد أو بالأحرى المعتقد واحد هـو
3
العزل بكل ما تحويه الكلمة من معنى إقصائي وإلزامي في التعامل مع النصوص الأدبية، على أنهـا
رسائل تحمل شيفرات لغوية لابد للمتلقي أن يفككها ويفهم ما تحمله من دلالات . وهل صحيح أننـا
لا بد أن نهرب من واقع الحياة وما تحمله من نبض بشري له كينونته داخل مجتمع
أنواع الترجمة
نص
مستندات
المواقع الإلكترونية
ترجمة نص
التعرّف التلقائي على اللغة
الإنجليزية
العربية
الفرنسية
swap_horiz
العربية
الإنجليزية
الإسبانية
النص المصدر
الخبير الاستشاري د محمد طه ن البنيوية وما بعدها بين التأصيل الغربي والتحصيل العربي تمهيد : كان القراء للأدب بكافة مستوياتهم المعرفية يتعاملون مع النصوص الأدبيـة بنـوع مـن التلقائيـة البسيطة ؛ لما تحمله من دلالات لفظية اختبأت تحت عباءة مفرداتها ، ولو تكشفت لُظهرت لنا برونقٍ ساحرٍ، لتعكس براعة من صممها وأضفى عليها لمساته المستوحاة من إلهامه أو تجربته الشعورية ، أومن خلال عكسه لصورة واقعه ونظرته إليه . إنه المبدع الذي صاغ لنا المضمون ليصبه في قالب أدبي يحمل توقيعه الخاص ، فهـو المـسؤول الأول عن صنعته التي أبدعها. ولو رجعنا بأنفس نا إلى سنوات الدراسة الأساسية ، واستذكرنا كيفية تحليلنا للنصوص الشعرية على سبيل المثال؛ لوجدنا أننا تعاملنا معها بسلاسة طبيعية ، توارثنا إجراءاتها النقدية جيلاً بعد جيـل ، إذ كنا نحلق في فضاء النص كسرب طيور انطلقت من نقطة بداية معلومة ، ثم تمضى فـي مـسارات منتظمة لتحط على أرض آمنة ، فلو قدر لها أن ترجع فسوف تعود بنفس الكيفيـة ونفـس الترتيـب المنطقي الذي انطلقت منه وهكذا. والبحث في النص الأدبي لم يأخذ منا عناء لفهمه والتعايش معه .وباعتقـادي ذلـك يرجـع إلـى الأسلوب النمطي الذي انتهجناه في عملية تحليلنا ونقدنا لتلك النصوص. ومع تطور العصر وما جاء به من متغيرات في الفكر الإنساني الذي اختلف تعامله مع الأشياء تبعاً لتلك التغيرات التي بات لزاماً على المبدع أن يواكبها ويمضي قدماً نحوها بغية التقليد والإتباع ، أو حباً في الاستكشاف والتجريب لكل ما هو جديد مستحدث . ومع تزاحم المع لومات المعرفية وتوسعها في رحم الثقافة الأدبية والتي تمخضت عنها تيارات نقديـة عديدة ، بدت ملامحها لنا من خلال احتوائها في وعاء واسع أطلق عليه المناهج النقدية المعاصـرة ، والتي أصبحت تطبق كنظريات أدبية محاولة توضيح الكيفية التي تتشكل بها الأعمال والنـصوص الأدبية كالقصائد والمسرحيات والقصص والروايات ... إلخ، بما تمتلكه من بنى ألسنية ، وعناصر لغوية اتحدت مع بعضها في سياق معين تؤول دلالاتها تأويلاً يختلف من متلقٍ لآخر ومـن قـراءة لأخرى. والحديث عن هذه المناهج يطول ويتسع ؛ لما أحدثته من ضجة فكرية كان لها بالغ الأثر في الـنهج الأدبي والنقدي في العالم العربي ، الذي كان مبهوراً بالعصرية الغربية ،وما تحملـه مـن موضـة فكرية بات لزاماً عليه أن يواكبها ؛ سيما وأن مثقفينا لا ينعتون بهذا اللقب أعني الثقافـة العـصرية، إلا إذا تقلدوا اسماً من أسماء تلك المصطلحات العصرية وانتهجوه في م سيرتهم الثقافيـة ،مطلقـين العنان لأقلامهم في الإفضاء بما تمليه عليهم تلك المناهج من تحليلات ورؤى منبثقـة مـن تحـرر فكري لكل الأيدلوجيات . 2 والواقع النقدي العربي بات من الطبيعي له أن يتعاطى المناهج الغربية، نتيجة المثاقفـة والانـدماج الحضاري، والتقليد لما هو غربي بدعوى الحداثة والعصرية المتفتحة على آفاق العولمة والنهـضة الفكرية، والتي أصبح النقاد والمبدعون منا ينجذبون نحوها كفراشات الضوء التي تحوم حولـه دون تفكير في مصدر انبعاث هذا الضوء، المهم الانجذاب نحوه والتماهي مع بريقه. لست في هذا المقام متحيزة أو متجنية على ما جاءت به هذه المناهج من تبعات فكرية وأيدلوجيـة، لكن المقصود أن نجتلي ما جاءت به تلك المناهج من أفكار وتحليلات عدت قواعد نقدية يجـب أن يلتزم بها نقادنا ومبدعونا بكل أطيافهم الأدبية. و البنيوية ؛ ذلك المنهج الذي أثار ضجة في الأوساط الغربية ، بظهوره ابتلـع كـل الأيـدلوجيات والمناهج القبلية في الساحة الأدبية ، ليصبح المهيمن صاحب السيادة والسلطة التوجيهية في الفكـر الغربي، ذلك الفكر الذي كان يحتاج إلى حبة مخدر تنسيه ويلات الصراع والاضـطراب الـسياسي الذي أنهك جسده ليصل به إلى حد الهذيان والتفلت من هذا الواقع المحبط . واقع المآسي والحروب والتخبط الفكري للنزعات الوجودية والشيوعية، صاحبتي النفـوذ الـ