Your Cart
Loading

قضية الاستقلال في المفاوضات المصرية البريطانية 1919 - 1952

On Sale
$0.00
Free Download
Added to cart
تعد قضية الاستقلال من القضايا المحورية والتأسيسية لأي أمة أو شعب، ذلك أن الاستقلال يميِّز ويرسم هُوية تلك الأمة وذلك الشعب عن غيره، ويحدِّد البقعة التي يسكنها، ويُقيم قدرًا من النِّدِّيَّة في علاقة الأمة أو الشعب بالأمم والشعوب الأخرى، والاستقلال كلمة تأتي من القِلَّة، أي تقليل المؤثِّرات في القرارات والتصرُّفات وغيرها، فالاستقلال بالرأي يعني الانفراد به وعدم إشراك الغير فيه، والاستقلال السياسي كما تعرِّفه المعاجم هو التحرَّر من أيِّ سلطة خارجية، واستقلال بلد ما يعني أنه استكمل سيادته وانفردَ بإدارة شؤونه الداخلية والخارجية، ولا يخضع في ذلك لرقابة دولة أخرى.
واجتماع مجموعة من الناس داخل إطار دولة أو قومية واحدة يعود لعدَّة أسباب تتضافر مع بعضها فتكسب جماعة أو جماعات تُفضِّل أو يكون مناسبًا أن يُفرض عليها أن تجتمع معًا لتشكِّل قومية دون سائر الأقوام الأخرى، وكل "مجتمع يتكون من وحدات انتماءٍ لا حصر لها، وهي تتنوع من حيث معيار التصنيف، فيكون أساسها الدين أو المذهب أو المشرب الثقافي أو الطائفة أو يكون أساسها اللغة أو اللهجة، أو يكون أساسها الإقليم أو القبيلة أو العشيرة أو الأسرة أو غير ذلك من معايير التصنيف.. ومن هذه الوحدات تظهر في كل مرحلة تاريخية وحدة الانتماء العامَّة التي تُعتبر الحلقة الكبرى والأساسية التي يتشكَّل المجتمع وفقًا لما تُفيده، والتي تُعتبر الوحدة الحاكمة لغيرها، وتتبلور وحدة الانتماء وفقًا للأوضاع التاريخية والاجتماعية التي ترشِّحها لأن تقوم بالوظيفة الأساسية وأن تستجيب للتحديات الأساسية التي تُواجه الجماعة بوحداتها كافة في مرحلة تاريخية معيَّنة"، وهذا التبلور كما يمكن أن يكون بصورة طبيعية أو تلقائية، فإنه يمكن أن يكون بصورة غير طبيعية أو بها قدرٌ من الافتعال أو القسر والإكراه أو التغرير.
وإذا كانت مصر كدولة قد عُرفت بهذا التصور الذي هي عليه الآن من تجانس جغرافي واجتماعي وتحقُّقٍ لمصالح اقتصادية ومادِّية بهذا التجمُّع البشري حول نهر النيل وإطلال على البحرين الأحمر والأبيض، بشكل أساسي منذ العصور القديمة أكثر من أي دولة أخرى حولها، فإن أهم ما قام به أعداؤها أنهم حاولوا تقليص نفوذها في محيطها الجغرافي وفي مستوى علاقاتها مع العالمين العربي والإسلامي وحوض البحر الأبيض المتوسط ونهر النيل، وهذا الذي قاموا به قد أصاب مصر بقدرٍ كبيرٍ من الشلل في حركتها وتأثيرها، بل والحفاظ على أمنها القومي نفسه، وكما يقول المستشار طارق البشري: "فالكائن الحي الذي اسمه «مصر» توجد أمعاؤه خارج جسمه في الجنوب، ويُصَوَّبُ الرصاص إلى رأسه من خارج حدوده المتاخمة شمالًا بشرق، ومن هنا فإن الجماعة المصرية -وإن كانت متجانسة تمامًا من الناحية البشرية والثقافية والتاريخية- إلا أن القسم الغالب من أمنها يقف خارج حدودها، فهي غير مكتملة، وإن هذه الحدود التي حُدَّتْ بها مصر، ليست إلا نتاج عمل استعماري غربي أقرَّتْه ووقَّعتْه معاهدة لندن في 1840، ورُسم هذا الحدُّ في لندن، ولم تجتمع الدول الأوروبية الكبرى على أمر كما اجتمعت على هذا الأمر وقتها".
إن قضية الاستقلال تبدو ذات بُعد نفسي بقدر ما لديها من بُعد مادي، فهي ذات بُعدٍ نفسي من حيث الشعور العام بالهُوية الجمعيَّة، وحاجة الجماعة إلى الاستقلال والتمايز عن الغير، والرغبة في التوحُّد واستقلال قرار الجماعة والأحقيَّة في ذلك، وذات بُعد مادِّيٍّ أيضًا من حيث ضرورة توافر الأسباب المادية التي تُعين على تحقيق هذه المشاعر النفسية، من توافر البقعة الجغرافية المناسبة من حيث الموقع والتضاريس والأمن، وتوافر أسباب القوة المادية من حيث الثروة القومية للأمة والقدرة على توفير ما يلزم من أسباب الدفاع عن النفس ومهاجمة الغير إن اقتضى الأمر مواجهة مع خصوم أو طامعين في ثروة الأمة وأرضها أو الإضرار بها.
وستتناول هذه الورقة قضية "استقلال مصر" من حيث ماهية هذا الاستقلال وكيف نشأ التصور عن استقلال مصر في العصر الحديث، ثم تتناول سعي الحركة الوطنية لتحقيق هذا الاستقلال منخلال المفاوضات بين الجانبين المصري والبريطاني منذ ثورة 1919 التي مثَّلت نقطة تحوُّل في التاريخ المصري الحديث، حتى إلغاء معاهدة 1936 سنة 1951، وكيف تأثَّر السعي للاستقلال بتغيُّر المناخ الديمقراطي وحال الإرادة الشعبية حضورًا وغيابًا على المسؤولين الرسميِّين الممثِّلين لإرادة الأمة والمعبِّرين عن تطلُّعاتها.
You will get a KCB (651B) file