الأنانية صفة سيئة، تجعل المرء يفكر في نفسه فقط على حساب الآخرين، هي لا تشبه الطموح والمنافسة في شيء، الطَّموحون والمنافسون ينفعون أنفسهم ويَسْمُون بإنجازاتهم، لكن الأناني يصعد على أكتاف الآخرين؛ يسيء إليهم، وقد يضرهم، فقط من أجل أن يتفوق هو ويعتلي منصة الفوز، رغم أن هناك فرقاً كبيراً - يجهله الكثيرون - بين الفوز والنجاح.. قد يفوز المرء، لكنه ليس بالضرورة ناجحاً.
غير أنَّ للقارئ في هذا الشأن ما ليس لغيره، فهو يستحق أن يغدو أنانيًّا.
لماذا له الحق في ذلك؟ لأن من يملك كتاباً ليس كمن يملك أيَّ شيء آخر، قد يعير الإنسانُ أيَّ شيء يملك، لكن إعارة الكتب فجيعة بالنسبة للقارئ، وقد رُوي عن الرائع عبد الرحمن منيف أنه قال: «أحمقُ من يُعير كتابًا، لكنَّ الأكثر حماقة من يستعير كتابًا و يردَّه»، وقيل هو كلام شكسبير.
ومن أشكال أنانية القارئ أنه إذا أحبَّ كتاباً أبى إلاَّ وأن يحبه الآخرون معه، فإن لم يحبُّوه استاء وانزعج، لسان حاله يقول: (أحبوا الكتب التي أحب)، هكذا مبدؤه، وإلاَّ: (أنتم حمقى وذائقتكم سيئة إذا لم تحبوه)، وكم رأينا في مواقع التواصل من يقول: «الذي لم يقرأ الكتاب الفلاني كأنه لم يقرأ في حياته قط»، وهذا شكل من الأنانية خفيٌّ، حتى على القارئ نفسه، فهو لا يعلم أنه بهذا أنانيٌّ مستبدٌ في ذائقته.
وفوق هذا فسطور الكتب كثيراً ما تحمل أكثر من وجه وأكثر من تأويل، وكثيرٌ من القراء إذا فهموا نصًّا، فهماً يليق بفكرهم، يتزمَّتون في هذا الفهم، لا يتبنونه فقط، إنما يتمسَّكون به بطريقة أنانية، وكأن هذا القارئ هنا هو الفاهم وحده وهو العارف ببواطن الكاتب، وأي فهمٍ آخر لا يساوي شيئاً أمام فهمه هو.
ثم إن القارئ شرير فيما يتعلق بعلاقته مع الكاتب، يرى أنَّ الكاتب كلما نزف وكلما تألم، كلما أبدع في كتاباته، فتخرج الكتب من روائع أعمال الكاتب ما دام يكتب عن آلامه وجراحه، يصرخ المسكين فيصفِّق له القارئ ويدعوه إلى أن ينزف أكثر فأكثر.
هي ذي سلوكياتٌ ثلاثةٌ لأنانية القارئ، فإذا كانت لديكم أخرى فأتحفونا بها.
التعليقات ()