كتب الفيلسوف الإيرلندي، الأسقف بيركلي، ذات مرة قائلاً: "أثار الفلاسفةُ غباراً، ثم اشتكوا من أنهم لا يستطيعون الرؤية".
وقد زادت آثار خطوات علماء النفس والطبيعة وعلماء الدين وعلماء الاجتماع أيضاً من كثافة سحابة الغبار التي تحجب نظرتنا للذات، فالذوات كاللوحات؛ لا يمكنك التركيز عليها إذا وقفت بعيداً جداً عنها، أو قريباً جداً منها، وبرغم كون معنى الهوية يشير إلى الوحدة والتفرد، فإن هوية الذات تتعلق في الحقيقة بأشياء كثيرة
والسؤال الأكثر أهمية لمعظم الناس هو سؤال واسع النطاق: ما نحن؟ وعلامَ يعتمد وجودنا المستمر على مر الزمن؟
الغوص بحثاً عن اللؤلؤة..
عندما أُسأل من أنا، فهذا لا يعني إلا أن أُجيب: "أنا المطلق، أنا الاتساع الذي هو جوهر كل الأشياء، أنا لستُ واحداً وأنا الجميع، أنا لاشيء وأنا كل شيء، تماماً مثلك أنت".
أدلى عالمُ الأعصاب أنطونيو داماسيو بدلوه في حل هذا اللغز وهو يعتقد أن وجهة نظره تحل التناقض الظاهري الذي حدده ويليام جيمس، أن الذات في تيار وعينا تتغير باستمرار مع تقدمها في الوقت، برغم احتفاظنا بإحساس بقاء الذات على حالها مع استمرار وجودنا.
فالذات المتغيرة ظاهرياً، والذات التي تبدو دائمة، رغم ارتباطهما ليستا كياناً واحداً بل كيانان؛ وهذا يعني أن الذات التي تبدو مستمرة وثابتة هي التاريخ الشخصي، والذات التي تبدو متغيرة هي جوهر الذات.
هناك تشبيه جميل أورده الكاتب، أنه شبّه الإنسان "بالبصلة"، فالبصلة إذا قشرتها مبتدئاً بالقشرة البنية الخارجية فستجد الكثير والكثير من الطبقات حتى تصل مباشرة إلى منتصف البصلة، لتجدَ ما هو أشبه "بلؤلؤة" صغيرة في المنتصف ولا يمكنك تقشير المزيد عنها، تلك اللؤلؤة أشبه عندي بالجوهر الحقيقي للشخص.
في عدة أبحاث و ادعاءات عن مكان وجود اللؤلؤة، كان المرشح الأبرز لاحتمال وجود اللؤلؤة هو (الروح)، وأن هذه الروح هي المركز الحقيقي للذات، أما الجسد فهو وعاء مؤقت لها…
لكن بعد طرح هذا الاحتمال وشرح نظريته، قال: قد حان الوقت لدفنها إلى جنب مع أحلام أخرى ما زالت تراودنا حول العثور على اللؤلؤة في قلب هويتنا.
في جزء آخر أورد أنَّ لكل من الإنشاءات والتعددية والذات الاجتماعية والإنشاءات الثقافية وأدوار اللعبة يقول: بأن وحدة كل فرد متجذرة في الإحساس النفسي بالذات،، وأن هذه الوحدة الحقيقة إن لم تكن مطلقة.
اعتمد الكتاب في الأجزاء الأخيرة على ثلاثة إدعاءات رئيسية: يبدو أولها واضحاً والثاني مفاجئاً والثالث قد يكون صارخاً يصحبه تأصيل فلسفي.
(نظرية الحزمة): أول من استخدمها كان فيلسوف القرن الثامن عشر ديفيد هيوم؛ تقول إن ما نسميه "العقل" هو مجرد حزمة من الأفكار والعواطف والمشاعر دون أي موضوع، شأنه شأن العديد من الأوصاف التي تُلاقى بالسخرية في البداية، ثم أصبح المصطلح مترسخاً بعد ذلك.
أما عن صميم "الأنا" وحيلته فهو خلقُ شيءٍ ما لديه إحساس قوي بالوحدة والتفرد مما هو في الواقع تسلسل فوضوي مجزأ من التجارب والذكريات في دماغ ليس له مركز تحكم، وأهم ما في الأمر أن تلك الحيلة تعمل.
يجب رؤية (حيلة الأنا) بهذه الطريقة، فلا يوجد شيء واحد تتألف منه الذات، لكننا نحتاج إلى أن نبدو كما لو أن ذلك الشيء موجود.
فالذوات موجودة فعلاً، لكننا نخطئ إذا تأثرنا بهذه الوحدة، فالذات ليست مادة أو شيئاً، إنها وظيفة لما تفعله مجموعة معينة من الأشياء.
أخيراً، أقتنص من الكتاب جوهرة الفكرة: أنه يختلف عن المشاعر المُعبَّر عنها تشبه المرور بالنفق الزجاجي ((لا أتوقع أن يكون لقبول الرؤية الحقيقة قدرات تحويلية كبيرة خصوصاً أن الرؤية الحقيقة من الصعب جداً قبولها)).
لقد أصبحت نظرية لؤلؤة الذات عميقة الجذور، إلى درجة أننا لا يمكننا إدراك أنها لا قيمة لها على كل حال، وتعدُّ الحِزمُ الفوضويةُ والمعقدةُ وغيرُ المتبلورة أكثرَ روعة وإنسانية من الجواهر الصلبة الباردة.
أتمنى أن أكون قد نجحت في إيصال الفكرة الأساسية الهامة المطروحة في هذا الكتاب الفلسفي العميق من خلال الغوص في أعماقه و ذاتي.
التعليقات ()