* نظرة نقديّة..
عزيزي القارئ أعتذر مقدّماً عن خيبةِ أملك بالثقافةِ المعاصرة..
ثقافتنا اليوم لزجة سريعة الانزلاق، قوامها زيتي معدوم المقاومة، من سار على أرضيّتها انزلق، ومن غاصَ فيها غرق؛ لكنّي لستُ ممن يؤمنون بالتعميم، أؤمن بالقلّةِ القليلة الصّادقة، الكثيرة على أشباه المثقفين والقليلة جدّاً أمام المستثقفين..
ثقافة اليوم تتعرّضُ للقرصنةِ والنهب، تُباع في السوق السوداء، ويتمُّ التسويق لها بطرقٍ غير شرعيّةٍ تتمُّ شرعنتها بطرقٍ خبيثةٍ..
حتّى نتبحّر أكثر فيما سأعرضُ لكم من حقائق توعويّة تساهم في الحدِّ من هذه الظاهرة، إليكم توضيحٌ لبعض المفاهيم..
السوق السوداء: هي سوق غير رسمية وغير قانونية تتم فيها عمليات بيع وشراء للسلع والخدمات بشكل مخالف للقوانين والأنظمة الحكومية؛ بعبارة أخرى، هي سوق موازية للسوق الرسمية، تعمل خارج إطار الرقابة الحكومية.
التسويق: هو عمليّة شاملة تهدف إلى تلبية احتياجات ورغبات العملاء، وبناء علاقات قويّة معهم، وتحقيق الأهداف التجارية للشركة، يتم ذلك من خلال مجموعة من الأنشطة والعمليات.. ببساطة، التسويق هو عملية بناء جسور بين الشركة وعملائها.
بعد التمعّن والتدقيق، يتضح فيما يلي التعريف الحقيقي لتسويق الثقافة في السوق السوداء، وهي: توظيف أفكار غير شرعيّة وغير قانونيّة، مخالفة للبيئة العربيّة المتحفظة في الكتب والصحفِ بأنواعها (قصص، روايات، صحف، مواقع إلكترونية الخ…)، في سبيل إثارة الجدل والركوب على أمواجِ (الترند) المتلاحقة، الهدف من ذلك الكسب المادي المضاعف، والشهرة، والتأثير لاستهداف فئة عمريّة معيّنة، والسطو على أفكارها ومعتقداتها بطرحٍ يلعب على وتر اهتمامات هذه الفئة.
هذا ما يحدث الآن في ظلّ موسم المعارض الدولية للكتاب.
ببساطة: طرحُ غيرِ المألوفِ بطريقةٍ مألوفةٍ - بعلم الكاتب - ثمَّ إثارة الجدل لرفع نسب مبيعات الكتب، والاستحواذ على عقول المراهقين بزرع أفكار ربّما تكون مدمّرة، الهدف الرئيسي في ذلك جيبك عزيزي القارئ، ثمَّ أسرك بأفكارٍ ستبهرك، لكن دون أن تقدّم لك فائدة تُرجى.
***
فيما يلي يتّضح أنَّ الثقافة على وجه العموم أصبحت مادّيّة، أكثر من كونها معنويّةً توعويّةً توسعيّةً، تستهدف الظلامَ بنورها، ثقافة اليوم أصبحت تتماهى مع الظلام شيئاً فشيئاً بوساطة تغفيل القارئ عن حقائق مرعبة تستغلّه بالدرجةِ الأولى، تستهدف الجيوب، ثمَّ العقول، ثمَّ جيل بأكمله، أصبحت الثقافة وسيلة بعد أن كانت غاية.
* إليكم بعض مظاهر أساليب التسويق الثقافي غير المشروعة:
1- طرح فكرة تمس ديناً أو معتقداً.
2- التحدّث والتطرّق إلى الأمور التي تثير التصادم الطائفي.
3- عرض كلمات خادشة للحياء، واستخدام بعض المفردات الإيحائيّة.
4- استهداف فوضى مشاعر المراهقين، وشرعنة الأمور غير المقبولة أخلاقيّاً بطرحها على أنّها عادية وتحدث في كل مكان وزمان.
5- انتقاد عادات وتقاليد مجتمع معيّن بطريقة لاذعة تُفرح أنصار الحرية اللامحدودة.
6- التحريض على العنف اللفظي والجسدي.
7- عرض كل ما هو مخالف للمألوف والمجتمع؛ لركوب موجة الترند.
8- عرض صور خادشة للنظر وللدين.
9- وضع حجج وتبريرات لحدث معين أثار ضجيجاً عالميًّا واحتجاجات.
* الثقافة قديماً:
كانت تتحدّث عن نفسها دون ضجيج، بهدوءٍ ورزانة، تروّج لنفسها بطريقةٍ راقيةٍ بعيدةٍ عن أيِّ غايات رخيصة، مؤثّرة للحدِّ الذي جعلها عصيّة على النسيان، راسخة في الذاكرة، ومن أبرز مثقّفينا العرب قديماً:
في العصر الجاهلي:
المتنبي: شاعر عربي يعتبر من أعظم شعراء العربيّة، اشتهر بقصائده المدحيّة والهجائيّة.
عنترة بن شداد: شاعر فصيح، اشتهر بقصيدته الطويلة التي تحمل اسمه.
طرفة بن العبد: شاعر عربي جاهلي، اشتهر بقصائده الحادّة وذكائه.
لبيد بن ربيعة: شاعر عربي يعتبر من أقدم الشعراء العرب وأعظمهم.
أمّا في العصر الإسلامي فاشتهر:
ابن سينا: وهو عالم موسوعي، عُرِفَ بمساهماته في الطبِّ والفلسفة.
الخوارزمي: عالم رياضيات وفلك، يعتبر مؤسس علم الجبر.
ابن رشد: فيلسوف وقاضٍ، قدّم تفسيرات جديدة لأفكار أرسطو.
ابن خلدون: مؤرخ وعالم اجتماع، وضع أسس علم الاجتماع.
وغيرهم الكثير.
وضمَّ العصر الحديث مجموعة دسمة من المثقفين العرب المبدعين، منهم: طه حسين، جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، نزار قباني.
* الثقافة المعاصرة:
تصرخ بشكلٍ هستيري، تزعجُ العقول، متسارعة، حادّة، ومخيفة، مدمّرة فتاكة تستهدف المستقبل بأفكارٍ مظلمة.
* طرق الحد من الاتجار بالثقافة في المكاتب والمعارض الدولية للكتاب:
1- البحث جيّداً عن الكاتب وأعماله وكيفية تفكيره، قبل شراء المؤلَّف.
2- شراء كتب للمتعة الروائية والثقافية.
3- عدم المشاركة في إثارة الجدل، حتى لا يصل ضرر كتاب معين إلى شريحة كبيرة من الناس بقصد إرضاء الفضول، الاكتفاء بالنصيحة المناسبة للحدِّ من إشهار ما لا يستحقُّ الشهرة.
4- تقديم النصائح بشأن أفضل للكتب ذات الفائدة الثقافية العالية على مواقع التواصل الاجتماعي.
5- انتقائية دور النشر في اختيار المحتوى، والتأكّد من أنّه لا يمسّ ديناً أو معتقداً أو عادات أي مجتمع.
6- تسويق الكتب بطريقةٍ خاليةٍ من الأساليب الملتوية.
7- الإشارة إلى دور الإعلام الكبير في عرض الكتب والصحف التي تستحق أن تُقرأ لفائدتها التي ستعم على المجتمع.
* ختاماً بشكلٍ مختصرٍ ودقيق:
أعظم الكتب وأكثرها فائدة هي التي دُفنت دون أن تُعرَفَ أو تُقرأ، ابحث عنها وستجد ما هو أعظم من كتبٍ تدنّست بالمصلحة التجاريّة البحتة.
الكاتب الحقيقي يكتبُ لأنّه يتنفّس بالحروف، صوته منخفض، لسانه القلم.
الكاتب المزيّف يكتبُ لأنّه مهووس بالشهرة والمال، صوته مزعج لسانه، قلم ملطّخ بمقاصد مخيفة.
التعليقات ()