هنالك تلك القصة المأساوية عن الضفدع المسكين الذي وضعه العلماء في قِدْرٍ به ماء، فبقي مستقرًا مكانه، ثم إنهم بدأوا يغلون الماء فارتفعت درجة الحرارة ببطء، لكن الضفدع بقي مكانه لم يتحرك، زادت الحرارة حتى وصلت إلى درجة الغليان.. مات الضفدع ولم يقفز من مكانه.
القصة مُلهمة جدًّا وتوحي بالكثير، خاصة لمؤلفي كتب التنمية البشرية، بل وقد اُستُشهد بهذه القصة في أفلام كثيرة للتدليل على فكرة (لا تبقَ مكانك، اهرب بسرعة قبل أن تعتاد على ألمك فتموت كما مات الضفدع).
كاتب المقال بدوره كاد يتهوَّر وينجرَّ وراء هذه القصة ليكتب عن العبوديةِ كيف نتعايش معها زمناً ونتكيَّف، دون أن نشعر، ودون أن نهرب منها، ثم حين نحصل على الحرية بعد ذلك فإننا نرفضها ونستمرئ العبودية.. لكنَّ لحظةَ تعقُّلٍ جعلتني أتوقف أمام قصة الضفدع المسكين هذه وأتساءل عن منطقيتها؛ إذ هل يُعقل، علميًّا وفسيولوجيًّا، أن ترتفع درجة حرارة الماء، ويبقى الضفدع ساكناً لا يهرب؟ لم أقتنع!
بحثت، فوجدت قصةً مغايرة.
هل قلنا إن قصة الضفدع مأساوية؟ كلا، بل الحقيقة أكثر مأساوية مما قرأنا.
الحقيقة أن هناك تجربة علمية، تستهدف دراسة تأثير الدماغ على السلوكيات التلقائية في الكائنات الحية، قد أُجريت بالفعل عام 1869م، ولكن على ضفدعين اثنين، أحدهما سليم، هرب من الماء المغلي بطريقةٍ طبيعيةٍ وسلوكٍ منطقي، والآخر – المسكين – تم استئصال دماغه، هذا لم يهرب فمات مغليًّا في مكانه.
الإلهام الذي تصنعه القصة الأولى له متعته، ويوحي بأفكار كثيرة وفلسفة عميقة، لكن العلم والحقيقة والتاريخ، لها كلمتها التي قد تعترض مع المتعة أحياناً كثيرة.
هناك تجربة بالفعل، لكن أُسيء استخدامها فأظهرت الضفادعَ ساذجةً في سلوكياتها، وهذا غير حقيقي.. الضفدع، وسائر الحيوانات الطبيعية، تهرب بتلقائية عند اقتراب الخطر، فما إن تشعر به تفر، ولا يختلف الإنسان عنها، إذ إنه يفرُّ كذلك من الأخطار بطريقة تلقائية، حتى الأفكار المسمومة يفرُّ منها ما إن تتضح أنها مسمومة، وليس يبقى في مكانه ساكناً سوى مجنونٍ فاقدٍ لعقله، أو مختلٍّ فاقدٍ لدماغه؛ لذلك شُبِّه الغافلون في القرآن الكريم أنهم كالأنعام، بل هم أضل.
التعليقات ()