يقال إنه حين تقابل موجوعاً في مشاعره، لا تحادثه بالعقل ولا بالمنطق، بل المواساةُ المطلوبةُ هي أن تحدِّثه بلغة القلوب؛ لمسةٌ حانيةٌ أو أذنٌ مصغيةٌ، وربما لو تنهَّدتَ في حضرته لارتاح قلبُه مع سماعه لتنهيدتك، إذ سيشعر أن هناك من يحس بألمه، وهذا يكفيه.
إننا حين نختلف في عقولنا عن بعضنا بعضاً قد نشعر بالغباء الفكري أحياناً، كذلك في اختلاف مشاعرنا، لا يصح أن نقابل المشاعر بمشاعر مضادة، خاصة في الحزن والألم، ساعتها سيشعر الآخر بالغباء العاطفي، وهذا يزيد من حزنه وألمه.
النقاشات تحتاج إلى طاقةٍ وجهدٍ بطبيعتها، العقول تحتمل مثل هذا الجهد، لكن القلوب لا تحتمل، المشاعر متعِبة بحد ذاتها ومتعَبة، ونقاشاتها تزيد القلوب إجهاداً.. إنَّ ما في القلب يكفيه.
في حادثةِ الإفكِ بكت عائشة رضي الله عنها كثيراً، قلبها موجوع وألمها عظيم، وألسنة الناس سهامٌ لا ترحم؛ تجرحها من كل جانبٍ وصوب.. امرأةٌ من الأنصار دخلت عليها، لم تفعل شيئاً سوى أن جلست تبكي معها؛ مواساةً وجدانية، من دون كلمة، ومن دون شيء سوى المشاركة العاطفية.. تقول أم المؤمنين عن هذا: «لا أنساها لها».
هكذا نطبطب على قلوب بعضنا، بقلوبنا، دون أن نزيد الأوجاع وننكأ الجروح، إن العقل والمنطق حَسَنَا النيَّة، لكنهما جامدا المشاعر، ولا يتورعان في أن يضعا أيديهما داخل الجرح يبحثان عن العلَّة والعلاج، وهذا مؤلم.
على أن الأمور ليست دائماً وردية بهذا الشكل، فبعض الموجوعين تغيب عقولهم تماماً في حال الألم، فيرتكبون الأخطاء الفادحة، لا نقول إن علينا أن ننكأ لهم جراحهم بالعقل ونزيد من إدمائهم بالمنطق، ولكن أن نعالج الأخطاء التي يرتكبونها، ونعيد لهم رشدهم قدر المستطاع، وقصة رسول الله صلى الله عليه وسلم معروفة، حين مرَّ على امرأة تبكي أمام قبر ولدها (تبكي بطريقة خاطئة)، فلم يزد أن قال لها: [اصبري]، لكنها نهرته، لم تكن تعرفه، فلما عرفته لحقت به معتذرة، فقال لها: [إنما الصبر عند الصدمة الأولى]، كلمات بسيطة ملأى بالعقل والمنطق، مع مراعات حالتها العاطفية، ولم يزد في كلامه.
هكذا نوازن بين المشاعر وبين العقل، نعرف متى نطبطب ومتى نشارك ومتى نواسي، كما نعرف متى نتمنطق بالعقل، وفي كليهما نتعاطف ونُحكم قلوبنا قبل عقولنا في الكلام؛ أسلوباً ولفظاً.
التعليقات ()