«التاريخ العُماني،..» هكذا وصفته الدكتورة هدى الزدجالية وهي تهديني كتابها، «محطاتٌ نفخر بها، منها سلطنة زنجبار».
صدر كتاب "العمانيون وأثرهم الثقافي والفكري في شرق أفريقيا" للدكتورة هدى الزدجالية، بطبعته الأولى عام 2021، عن الجمعية العمانية للكتَّاب والأدباء، بالتعاون مع دار نثر، حاملاً الكثير من الشجن التاريخي، لعهدٍ مضى، حاولت فيه الكاتبة، ليس فقط سرد التاريخ، معتمدة على الوثائق والاستشهادات المختلفة هنا وهناك، بل أيضاً سعت في كتابها إلى تصحيح الكثير من المغالطات التي قيلت عن العلاقة العمانية الزنجبارية، مستشهدة بذلك أقوال مفكرين ودارسين وباحثين، بل ووثائق وصوراً، أثبتت جمالية العلاقة التي شوهها المستعمرون لمحاربة العرب عامة، والإسلام خاصة، بهدف التنصير بالدرجة الأولى.
وظهر جهد الكاتبة في دراستها جليًّا ضمن صفحات الكتاب، بتمكُّنٍ وإلمامٍ كبيرين، وما يؤكد ذلك تركيزُها على نقطة واحدة طيلة صفحات الكتاب، ألا وهي الثقافة بين المنطقتين، العماني والشرق أفريقي، والخروج من هذه النقطة بهذا الكم الكبير من الصفحات (أكثر من 500 صفحة)، وفوق هذا استعانتها بالكثير من المراجع في مجالات مختلفة، منها القديمة ومنها الحديثة، المقروءة والمسموعة والمرئية، حتى أنها كتبت المراجع والملاحق في نهاية كتابها بما يزيد عن 50 صفحة، كل هذا يشير إلى الجهدِ الكبير الذي بذلته الباحثة، وقدرتِها على محورة الموضوع في إطار ثابت، دون تكرارٍ ممل، ولا استطراداتٍ مسيئة للموضوع، بل على العكس، الكتاب ممتع وثري، حتى لمن لا يقرأون في التاريخ كثيراً، مثلي.
ثم إنه لا يمكنك أن تقرأ نصَّ الكتاب وتتجاهل حواشيه السفلية، فبعيداً عن ذكر المراجع، ففي الحواشي معلومات قيمة، وشروحات مفيدة، وإضافات لتفاصيل مهمة، بل حتى سير الأعلام لها قيمتها المكتوبة، أجادت الباحثة سبكها.
وقد ركزت الباحثة على التجَّار العمانيين كثيرًا في تأثيرهم على الثقافة والفكر الشرق أفريقي، مدلِّلةً بسلوكهم وتعاملاتهم، وهذا يُحسب على السلوك العام للعمانيِّ السويِّ، أنه ليست المؤسسات والحكومات فقط التي أثرت بقوانينها على أفريقيا، بل هي الطبيعة العربية الإسلامية للفرد العماني ما كانت لها البصمة الكبيرة في التأثير الإيجابي هناك، هذا جعل الأفارقة يتقبلون دخول العرب في بلادهم وبسط نفوذهم، الأمر الذي صيَّر الوضع العام يتغير إلى أفضل مما كانوا عليه.
ثم تنتهي صفحات الكتاب بقصة حزينة عن الثورة الأفريقية عام 1964، بتحريضٍ من المبشِّرين وتشويههم لسمعة العرب، الثورة التي أطاحت بالعرب، العمانيين خاصة، حتى تشتتوا وتفرَّقوا، منهم من استطاع العودة إلى عمان، ومنهم من تفرَّق في دول أخرى، ومنهم من بقي في أفريقيا، إما لأن عمان رفضتهم، وإما لأن أحوالهم لم تسؤ كثيراً في أفريقيا ففضلوا الاستقرار هناك.
ثم جاء عام 1970 ليجد الأملُ طريقَه في نفوس أولئك المهجَّرين، فنهضت عمان بحكمٍ جديد، ورعايةٍ رشيدة، وعهدٍ مختلف، بدد كل ظلم سبقه، وانطلق نداءُ السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله يدعو كلَّ عماني خارج البلاد أن يأتي، يخدم وطنَه ويخدمه وطنُه، فحصل الكثير من المهجَّرين - بالآلاف - على الجنسية العمانية، ليُسدل الستار على شراكة عريقة عميقة بين عمان وبين أفريقيا، لكنه ليس سدولاً تامًّا، بل ما زالت هناك ثقافات توارثها الجانبان، كلٌّ من الطرف الآخر، ظلت قائمة حتى اليوم.
التعليقات ()