في فرنسا المحتلَّة، أيام الحرب العالمية الثانية، دخل جنديٌّ ألمانيٌّ مقهىً يحمل اسم ”الملاذ الصغير“ (Le Petit Refuge)، وجلس يحتسي القهوة، فسأل: «لماذا لديك باب خلفي في المقهى يا هنري؟»، أجابه هنري دوبوا، صاحب المقهى: «لإخراج القمامة يا سيدي، فليس من اللائق أن نخرجها أمام مرأى الزبائن»، ضحك الجندي وقال: «وهل يهتم الفرنسيون بالنظافة حقًّا، وسط هذه الفوضى والقذارة العامة؟»، أجابه هنري: «إن من يحافظ على النظام وسط الفوضى، هو من يبقى على قدميه».
احتسى الجندي قهوته وغادر، دون أن يعلم أن عبر ذلك الباب الخلفي كانت تُحاك المؤامرات ضد النازيين، ومن هناك بدأت شرارة المقاومة الفرنسية، فهذا الباب يقود إلى أزقة فرنسا الضيقة، ومنها تنتقل الوثائق السرية وتُهرَّب الرسائل الخطيرة بين أعضاء المقاومة.
لم تُصمم الأبواب الخلفية في المنازل والمنشآت من فراغ، لكل باب هدفٌ وُضع لأجله، ودائماً ما تحمل الأبواب الخلفية أسراراً ومواقف لا تظهر للناس؛ هناك تحاك المؤمرات، ومن خلالها يتمكن الهاربون من الفرار، وكما أنها تحمل الأمان، فهي تحمل إلى جانب ذلك الكثيرَ من حوادث الخيانة، ومواقف لقاء العشَّاق.
لم يكن في بيتنا القديم باب خلفي، في حين كان لمعظم بيوت حارتنا أبواب خلفية، لكنني لم أكن أرى تلك الأبواب تُفتح، ولم أكن في صغري أفهم سبب وجودها ما دامت مغلقة دائماً.. في بيت جدي باب خلفي، كان من السهل الخروج منه والوصول إلى الساحة الخلفية، أو إلى منزل الجيران، لكننا نضطر إلى الخروج من الباب الرئيس والدوران حول المنزل حتى نصل إلى مبتغانا، من الأسهل فتح الباب الخلفي، لكن هذا ممنوع.
وحينما مرض جدي مرضه الأخير، نُقل إلى مستشفى صقر في إمارة رأس الخيمة، وهناك تُغلق الأبواب الرئيسة في الليل فنعجز عن الدخول، نتحايل على الحارس كي يُدخلنا لكن القانون هو القانون، ثم إنه - الحارس نفسه - أخبرنا أن ندخل عن طريق الباب الخلفي، ومن هناك تمكنا من زيارة جدي.. وكأن الأبواب الخلفية وُضعت كي تحطِّم حواجزَ الأمن، ونكسر بها القوانين.
وزرتُ منزل أختي في دبي ذات يوم، كان لديهم باب خلفي، فتحتُه فإذا هو يطلُّ على بوابة بيت الجيران، وكانوا هناك يجلسون أمام منزلهم، فأغلقت الباب ودخلت حياءً.
وفي عام 1998 انتقلنا إلى منزلنا الجديد، فصرنا نملك - أخيراً - باباً خلفيًّا، ومنذ ذلك اليوم وأنا أحب الذهاب إلى هناك، المكان غير مهيأ للجلوس طبعاً، وكل الأبواب الخلفية ليست مهيأة لهذا، لكن ثمة متعة في أن أخرج إلى هناك، أنظر إلى زوايا لا أراها كثيراً.. وتزداد المتعةُ ليلاً.
إن للأبواب الخلفية حكايات كثيرة وأسراراً عديدة، لم تصلني ولا أعرفها، لعلكم - القراء - تملكون الكثير منها.
التعليقات ()