"هذا المسرح السحري للمجانين فقط، ثمن دخولك.. عقلك".
كم جرعة من المعرفة تلزم الإنسان ليحقق كينونته أثناء إقامته على الأرض؟
وهل الإدمان ضررٌ محضٌ، حتى وإن كان هوساً بالثقافة والعلم والفنون؟
ألا يمكن أن تكون السعادة في الضفة الأخرى من عزلة المثقف؟
ألا يمكن أن تكون هناك، حيث يتحصّن القطيع بالجهل واللامبالاة ضد الصراع اليومي الذي يتخبط فيه نزر من الناس اختصروا الحياة ولخصوها في أكوام من الكتب وقائمات الموتى "الخالدين"؟
ذئب البراري، أو ذئب السهوب، هو شخصية فنان يتحرك من عزلة مُرّة، إلى تقبل الحياة على أنها خليط لا يخلو من فكاهة الصور المسرحي للخيال.
تطرق هرمان هيسه بإسهاب نسبي إلى ثنائية الإنسان والذئب التي تلبّس بها بطل الرواية "هاري مللر"، وكان المراد منها تحقيق الحرية الفردية والاستقلال النفسي والفكري.
وقد عبّر هيسه في أكثر من فقرة، على لسان بطل الرواية، عن رفضه للحرب، واشمئزازه من الداعين لها والمحفزين عليها، واختار وحشة العزلة على المشاركة في الجريمة الكبرى.
ارتباطه بالفنون كبير، فهو مرتبط جدا بالموسيقى ارتباطاً عميقاً، ويظهر ذلك واضحاً على القارئ أثناء التغيرات التي طرأت عليه.
في منعطف حاسم لمجريات الرواية وحياة هاري هللر، تظهر المرأة بقوة داخل غيمة هذا المثقف المنعزل، الغارق في الكآبة والرتابة، تتجلّى له المرأة معلنة كل أنوثتها وسحرها.. تشرق "هيرمينه" فجأة في لحظة داكنة من وجوده البائس، كان على وشك الانتحار، وتلبَّست أدواراً عديدة منها: دور الرفيقة ذات الصدر الرحب، ومنها دور الأم الودود والآمرة الحريصة على تنفيذ أوامرها، تبعث الإنسانَ فيه، وتبث النبض، وتستدرجه إلى التفاعل مع موسيقى مغايرة لمقدساته الموسيقية، أمثال موتسارت، وهايدن، وغيرهما من عباقرة الموسيقى الكلاسيكية.
أخيراً، السؤال الأبدي الذي تُلقيه علينا الرواية، بطريقة فريدة وواقعية: ألا بد من المرأة، لنصالح الحياة ونقبلها كما كانت وكما ستكون؟
الجواب صريح وواضح لدى هرمان هيسه، وعلى لسان هاري هللر بطل روايته : جسد المرأة الرهيف أثقل من متون الأوليين والآخرين في ميزان الحياة، وأكثر فصاحة من أيّ كائن آخر، كتاباً كان، أو قطعة موسيقية، أو قصيدة، أو لوحة تملأ الدنيا وتشغل الناس.
"خلال تلك الليلة، وأنا بجوار ماريا، لم يردني الكثير من النوم، لكنّ نومي كان عميقاً، وترين عليَّ السكينة كإغفاءة طفل".
"ذات يوم سوف يتحسّن أدائي في اللعبة، ذات يوم سوف أتعلم كيف أضحك".
التعليقات ()