بعيدًا عن المثالية، لنتفق أن الدراسة صعبة، لكنها ممتعة، هذا ما توصلتُ إليه مؤخرًا.
كنت أقول لصديقٍ لي: صحيح أنَّ الدراسة تحتاج الكثير من الجهد، ومن العمل الجاد، وخوضِ رحلة طويلة شاقة، مليئة بالتحديات والمصاعب، لكن ثمة أشياء غيَّرت نظرتي، وسهَّلت طريقي، فشعرت أنني أمضي باستمتاع، أعرفُ جيدًا أنَّ ما من أحدٍ يرغب بخوضِ التحديات الصعبة، لكن هناك من يستمتع بقتل الأفكار السلبية، بالمحاربة، بالشجاعة، بالاستمرار؛ لأنه يدرك أنَّ المرء بهذا يستطيع أن يصل إلى غايته.
استحقر رأيي فقال: لا أحد الآن يستمتع بالعلم إلا الشاطر المتميز! أجبته: وهل وُلد المتميزُ متميزًا؟ بدون العلم لا أتميز، لا أرتقي، لا أتقدم ولا أستطيع أن أبني شخصيتي، كيف أقنعك أنني بالعلم أجد فرصًا كثيرة، وأشياء جديدة، بوسعِ الطالب أن يعرِّف نفسه، أفكاره، مواهبه، ويرى طرقًا أكثر نجاحاً لبناء حياته.
يقول روبرت موغابي: كيف لنا أن نقنع هذا الجيل أن الدراسة هي مفتاح النجاح والمستقبل الزاهر، في حين نحن محاطون بأصحاب الشهائد وخريجي الجامعات يعيشون فقراً مدقعاً، والمجرمون يعيشون الثراء؟
أعارض مقولتك يا روبرت، فكم من مجتهدٍ أصبح طبيبًا، عالمًا، معلِّمًا، ناضل أمام ضربات الحياة ووقف ضد الصعوبات ليتعلَّم، وليصبح في الحياةِ شيئاً، ينفع الناسَ والمجتمع، لا يُصبح المتعلِّمُ ضعيفًا ويعيش فقرًا مُدقعًا كما قلت، بل يبقى المتعلِّم متعلِّمًا، يعيشُ بفخ وعزٍّ، يملك الكثير من الخبرة، على الأقل، نفع بعلمه نفسَه والناسَ أجمع، الجاهلون هم من يعيشون الفقر، المجرمون، الرافضون للعلم رغم كلُّ السبل المتاحة لهم، والمجرم الذي يعيش الثراءَ، فأنت قُلتها بنفسك: مجرمٌ وجاهل، وصل بحظِّه وكذبه، بلا علمٍ ولا تخطيط.
يُقال إن ما يحتاجه الإنسان هو العمل المستمر ليلَ نهار، والقراءة الدؤوبة، والدراسة، والسيطرة على الإرادة، فكل ساعةٍ من الحياة ثمينة.
الدراسة شيءٌ ثمين، الوقت ثمين، والاستمتاع بهما أهم وأثمن ما نفعله، لا يكفي أن نحصر فكرنا بمجرد أن تكاثفت علينا المصاعب وننسى أن نستمتع؛ لأن هذا يجعل فكرة واحدة تُصعب المسير، وتجعلنا نفشل فنبذل أقل الجهد.
قرأت قصة للكاتب مهدي الموسوي قال فيها: لقد فاتتنا الحياة ولم نستمتع بها، فاتتنا الدراسة، العمل، الزواج، كُنا منشغلين بمصاعِبها ونسينا أن نجد مُتعتنا، لقد عشنا حياة تنقصها المُتعة، الخوض، المغامرة.
لذلك، امضِ في طريقك، اقضم تفاحتك يا صديقي واستمتع بها، تلذذ بطعمها ولا تشغل بالك من أين جاءت، تتفحَّص شكلها ولونها، إلى أن يسرقها الوقت، يأكل منها الغراب فتضيع من بين يديك!
للدراسةِ متعة لمن جدَّد الأفكارَ وحدَّد الهدفَ وجاهد للوصول، لمن صاحبَ الأصدقاء الإيجابيين وربط الأنشطة المُجزية، تدفع الطالب للتقدم، للاستمرار وللمضي في طريقٍ أكثر مغامرةٍ ومُتعة، محتفلًا بالانتصار والإنجاز في نهاية الطريق.
التعليقات ()