ما الذي جعل هذا المشهد يتجاوز حدوده العفوية لينتشر حول العالم، كالنار في الهشيم حتى بلغ الترند في مواقع التواصل الاجتماعي وتجاوزت المشاهدات الملايين في يوم واحد فقط؟
حدث هذا في صلاة التراويح من ليلة الخميس الماضي، 6 إبريل 2023م، وليد مهساس، إمام مسجد أبي بكر الصديق في ولاية برج بوعريريج الجزائرية، يقرأ سورة الأنعام، إذ دخلت قطة المسجد واقتربت من الإمام، حامت حوله برهة، ثم رفعت عينيها تنظر إليه، ربما لفت انتباهها صوته الشجي وأرادت أن تلفت انتباهه إليها كذلك، فبدأت تضرب ساقه، لكنه استمر في قراءته ولم يلتفت إليها، طافت حوله، دخلت بين ساقيه، ماءت، لكنه مستمر في قراءته الشجية.
لم يدر الإمام إلاَّ والقطة تقفز فجأة من الأرض إلى صدره، بقي ثابتاً، حافظ على اتزانه وقراءته، لكنه أحاطها بذراعه، ومسح على عنقها مسحة خفيفة، وحينما ارتقت إلى كتفه أعانها حتى استقرَّت، هنا قرَّبت القطة فمها من جبين الإمام وبدا المشهد كأنها تقبِّله، وهو مستمر في قراءته، ولم يركع حتى قفزت القطة من على كتفه إلى الأرض.
هذا المشهد الذي استمر فقط دقيقتين ونصفاً فقط، لاقى رواجاً واسعاً في أوساط مواقع التواصل، بل والبرامج التلفزيونية العالمية، ليس فقط بين المسلمين، بل كل أقطار العالم قاطبة، الكل أشاد بهذا الموقف اللطيف من الإمام رغم أنه في صلاة وفي موقف مقدس.
الحقيقة أن الضجة لم تصدر من الأساس عندنا نحن العرب أو المسلمين، إذ إذا أتينا للحقيقة فهذا الموقف الإنساني، وإن أكبرناه، فإنه اعتيادي يمكننا أن نتخيله يصدر من أي إمام، إنما الضجة الحقيقية جاءت من الغرب الذين دُهشوا من المشهد، هم الذين اعتادوا أن يروا الإسلام بصورة مختلفة تشوَّهت على مدى قرون من حرب خفية جنودها ليس الغرب فقط، بل حتى الدراما العربية كانت تُظهر الأئمة والمشائخ المسلمين أنهم جامدي الملامح، عديمي الرحمة، متشددين، ومتجهمي الوجه على الدوام، خاصة في المسلسلات التلفزيونية الرمضانية، ثم جاءت هاتان الدقيقتان والنصف لتهدم ما كان الفن العربي المتأسلم يبنيه في ثلاثين يوماً طيلة أيام الشهر الفضيل، كل جهودهم هذه ذهبت أدراج الرياح، بددها ركنٌ واحدٌ من أركان الصلاة.
كل هذا أمر عادي، لم يكن ليجعلني أكتب هذا المقال، خاصة وأن العالم كتب الكثير، أكثر مما أكتب، لكن الذي أفجعني أنه في الوقت الذي قامت فيه الدنيا ولم تقعد، عند غير المسلمين خاصة، يشيدون ويمدحون ويتغزلون بالإمام وبالإسلام؛ في غمرة كل هذا يأتي بعض المسلمين ليكتبوا في مواقع التواصل استهجاناً على هذا الأمر، ويسخرون من المسلمين الذين (كبَّروا السالفة)، في حين أن مواقف مثل هذه تحدث كثيراً ليس لدى المسلمين فقط، بل حتى عند غيرهم، ونشروا صوراً لقطة نائمة على حِجر تمثال بوذا، وقطة جالسة في هدوء وسكينة أمام قسيسٍ يخطب في إحدى الكنائس!
غير المسلمين يصفّقون للموقف، ويأتي هؤلاء يحاولون إيقاف هذا التصفيق، لا أعتقد أن لهم مأرباً إلاَّ أن يُخالفوا كي يُعرفوا.
أحد العرب المشاهير كتب أنه تلقى رسالة من صديق غير مسلم يطلب منه أن يترجم له كلمات القرآن التي كان الإمام يقرأها، هذا الموقف بحد ذاته كفيل كي نستشعر أن هذا الموقف على بساطته وعفويته لم يأت من فراغ، وأنه سيكون له أثر، وإن كان على المدى البعيد، وإن كان التأثيرُ بسيطاً، لكنه تأثير حتماً إيجابي، فلماذا نحاول التقليل من شأنه؟ أو لماذا نحاول تشويه عقول المسلمين لنُظهرهم بمظهر الطفل الصغير، قليل العقل، الذي لم يصدِّق أن رأى قطعة حلوى فإذا به يبتهج ويثير زوبعة لم يكن لها داعٍ؟! تشويه يشبه تماماً الأعمال الدرامية التي تصوِّر المشائخ أنهم جامدون تسيِّرهم الزوابع، أينما ذهبت ذهبوا.
نحن نشيد بموقف الإمام وليد لأنه كان متماسكاً وهو يصلِّي، لم يتزعزع، هناك مقاطع لبعض الشباب كانوا يصلون فلما مرَّت قطة بين أرجلهم فزعوا وطاروا كأنما ظهرت لهم الشياطين، لكن شيخنا هذا رغم أن القطة فاجأته بقفزتها على صدره، لم يتزحزح ولم يوقف قراءته الشجية، إن تمثال بوذا الذي نشروا صورته يقارنونها بصورة الشيخ، لم تفاجئه القطة بقفزة وهو يؤدي عبادته، بل هو نفسه كان نائماً مغمضاً عينيه من قبل أن تأتي القطة وتنام على حِجره، والقس جلست القطة بعيداً عن صدره فليس له أن يفزع.. لكن الإمام وليد مسهاس بقي هادئاً، بل وربَّت على القطة تربيتة خافتة، ولولا أن الحركةَ الكثيرةَ تُبطل الصلاة لفعل أكثر من هذا الأمر، ثم إنها اعتلت كتفه فأعانها، وحينما سُئل عن هذا بعد ذلك لم ينفخ صدره ولم يستغل الموقف، بل أعلن أن الأمر حدث عفويًّا وأنه لا يريد التعليق عليه.
هو عفوي بالفعل ولا يحتاج التعليق، لكن الشبكات العالمية لم تره هكذا، خاصة مع ما تعرفه عن الإسلام الإرهابي، وما دام الله تعالى شاء لهذا الموقف أن يرتقي إلى هذا الشأن الجميل، فلماذا يظهر لنا مسلمون يحاولون التقليل من هذا الشأن؟
التعليقات ()