قرأت قبل قليل أن الزواج يجب أن يُبنى على التوافق الفكري، وأنه ليس من العقل مثلاً أن تجالس المرأةُ رجلاً تتحدث معه عن الفن والمدن والحرية والموسيقى، فيسألها ماذا طبختِ اليوم؟
هنا مفهوم صحيح إلى درجة كبيرة، إذ الزواج مركزٌ ثقافيٌّ لمتزوجين مثقفين، ومنبرٌ دينيٌّ لزوجين متدينين، وملعبٌ مؤهلٌ لزوجين مهتمين بالرياضة.. الزواج شراكة حياة، والحياة قائمة على مجتمعات تتبنى نمطَ معيشةٍ وفكراً مشتركاً، وكلما اختلف أفراد المجتمع الواحد كلما تزعزعت المعيشة.
إحداهن تقول إن الزواج شراكة، وأقل معاني الشراكة أن يتبادل الزوجان أطراف الحديث، وليس من المنطقي أن أترك الدنيا بكل ما فيها من علوم وفنون، وأجلس أحادث زوجي عن الحفاظات فقط.
في كتب الفقه ذكروا أنه من سنن الزواج التكافؤ، فليس يليق بأميرة عاشت في قصر أبيها أن تتزوج فجأة مشرداً بالكاد يعيل نفسه، ولا ابنة تاجر اعتادت على حياة الرفاهية أن تنتقل من هذا الترف إلى منزل رجل عشاؤه (خبز وجبن وبطاطس).. ليس لأن الرجل فيه نقص، بل لأن المرأة حينما تنتقل من هذا السمو إلى هذا الدنو، فإنها وإن كانت تحب زوجها وراضية بهذه المعيشة، فإنها مع مرور الزمن لن تستطيع التماسك، وستطالب زوجها بما هو فوق طاقته، ومع الشد والجذب بينهما لن تلبث المودة والرحمة أن ينفكَّا.
فإذا كان هذا نتاج اختلاف مادي، فالاختلاف المعنوي والفكري من باب أولى.
يقول علي الطنطاوي رحمه الله: «إنما يُبنى الزواج على التوافق في التفكير والسلوك والوضع الاجتماعي والحالة المالية، وبعد هذا كله تأتي العاطفة».
هذا بالطبع لا يمنع أن نقول إن الواقع رسم لنا زيجاتٍ قامت على الاختلاف الفكري، ثم هو مستمر قويًّا متماسكاً، هذا لأن الزوجين كانا من الفهم والإدراك بحيث أسندا بيتهما بسياسة التفاهم والتفهُّم، ومن يفعل ذلك فقد بنى صرحاً من مودة ورحمة، وربما حبٍّ كذلك، صرحاً لا ينهدم بسهولة.. إنما دعونا لا نقامر فنعتمد كثيراً على رجاحة عقل الطرفين في زيجات أبنائنا وبناتنا.
لا حظوا أننا هنا لا نتحدث عن الحب، فالحب ليس من مقومات الزواج، إنما الزواج قائم على المودة والرحمة، والحب ديكورٌ من الجميل أن يكون متوفراً، لكنه ليس أساسًا، بل إن الرحمة أشمل وأقوى وأكثر ركيزة من الحب.
التعليقات ()