يقضي الكاتب زمناً يُعمل فِكره كي يخرج بكتاب من جهده، يصبُّ فيه من جام فكره وعلمه وإبداعه الكثير، ثم يشقى حتى يجد دار النشر التي تتوافق مع قلمه فتنشر له، وكثيراً ما لا يكون هناك توافق تام، لكنَّ الكاتب يتنازل عن بعض الأمور من أجل أن يرى كتابه منشوراً، وقد يدفع مبلغاً وقدره.. ثم بعد كل هذا الجهد والتنازلات، وبعدما يُطبع الكتاب، ربما يجد الكاتبُ قارئاً يقرأ له وقد لا يجد، وربما يحصل على حفنة من مردودٍ ماديٍّ لجهوده وقد لا يجد.
في مبنىً مقابل، على بُعد شارع من منزل الكاتب، ثمة امرأةٌ، كلُّ ما تفعله أن ترقص فقط، وفي ليلة واحدة تحصل على مبلغ وقدره، غالباً لا يحصل الكاتب على نصفه من ألف نسخة مطبوعة من كتاب.
من هذا الأمر نتعلم درسين، الأول قاله سرحان عبد البصير في مسرحية شاهد ماشفش حاجه: «اتكل على الله واشتغل رقاصة»، ولأن الكاتب لا يملك خَصراً مرناً، ولا قواماً مناسباً، وأردافه لا تحتمل الهز من كثرة جلوسه على الكرسي يقرأ ويفكر ويكتب؛ لذلك فهو عاجز عن الرقص.. إنَّ هذه الفكرة للأسف لا توائمه.
هناك مقولة لكافكا يقول فيها: «على الكتاب أن يكون الفأسَ التي تكسر البحرَ المتجمِّدَ فينا»، هل قال ”الفأس“ أم قال ”الطبل“؟ هل قال ”تكسر“ أم قال ”تهز“؟.. نسي الراوي!
الدرس الثاني المستفاد من هذه القصة التراجيدية (الأمرُ جادٌّ هذه المرة) هو أن الناس عموماً تحرِّكهم المشاعر لا الأفكار، فلكي تكتب عليك أن تدغدغ في القارئ قلبه فيهتز.. نقول ”قلبه“ وليس ”عقله“؛ فهزُّ الأفكار والعقول موضة قديمة لم يعد الكثيرون يميلون إليها.
أيها الكاتب، اتكل على الله والتزم بهذه النصيحة الأخيرة، فهي فعلاً طريقك إلى قلوب القراء، لأنَّ الطريق إلى عقولهم مسدود يا ولدي، مسدود، مسدود.
لستُ شاعراً، لكن جال في خاطري أن أقول:
«يا من إلى الفِكرِ يخطو *** فِكرٍ بلا سَقَمِ
هل هَزَّةُ الخَصرِ أقوى *** أم هَزَّةُ القَلَمِ؟!»
سيء؟ حقًّا؟ إلى هذه الدرجة؟!
حسناً، لقد توقعتُ هذا.. يمكنكم حذفه والاكتفاء بالمقالة وحدها من دون هذا الشعر الركيك.
التعليقات ()