تبحث عن الكتاب الذي يناسبك؟
بحثك المجرَّد لا يكفي، قبل ذلك اصنع كاتبك بنفسك، ثم هو من سيصنع لك كتابك الذي تبحث عنه.
إن القوة الفنية تتفاوت بين كتاب وآخر، هذا قوي وهذا ضعيف، هذا مكتمل وهذا فيه نقص، وهذا كتابٌ يتأرجح بين هذا وذاك، لكنَّ توفيق الحكيم له رأي مختلف، إذ يقول: «قيمة الكتب ليست أحياناً فى كمالها الفني، بل فى استطاعتها أن تعيش فى حياة طائفة من البشر».
وعلى هذا الأساس، ضع تصنيفك الشخصي للكتب الجيدة والكتب الضعيفة على جنب، وابحث عن الكتاب الذي استطاع أن يعيش فيك، هذا ما عليه أن يشغلك أنت باعتبارك قارئاً، وأما ما يشغل الكاتب فهو كتابه الذي يريد له أن يعيش في حياة أكبر عدد من القراء.. وبين ما يشغل القارئ وما يشغل الكاتب بونٌ شاسع، فلماذا لا نخلق توافقاً بينهما، بعيداً عن أنانية كل واحد منهما؟
القصة تبدأ هكذا؛ يحصل القارئ بين أرفف المكتبات على كتابٍ يمس دواخله، يثيره فيُعجب به، وبالتالي يُعجب بالكاتب، فيسعى إلى أن يقتني من كتبه أكثر عدد ممكن، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، لكنَّ سعيه هذا قد يضر الكاتب من حيث يعتقد القارئ أنه يخدمه، إذ أغلب القراء يسعون أول ما يسعون إليه أن يحصلوا على الكتب مجاناً أو إلكترونيًّا، وحصول القارئ عليها بهذه الطريقة من حقه أن يقلل من شأن كاتبه وقوته.
تبدأ صناعة الكتاب بعلاقة الكاتب بدار النشر، فإذا كانت العلاقة جيدة راج الكاتب وسعت دور النشر إلى إرضائه والتسويق لكتبه، بغض النظر عن جودة الكتاب من ضعفه، وستسعى دور النشر إلى منح الكاتب حقوقه كاملة، (وفوقها بوسة أيضاً)، فإذا كان القارئ يحصل على كتب كاتبه المفضل إلكترونيًّا، فهذا يجعل الإقبالَ على الكتاب الورقي ضعيفاً، وبالتالي تهمل دور النشر الكاتب، وهذا يجعل عطاء الكاتب أقل مما كان، فيخسر القارئ كاتبه بالتبعية.
تبقى دور النشر متاجر تجارية أكثر منها مؤسسات ثقافية.
يسعى كثير من الناس إلى اقتناء الكتب ذات الجودة الفنية الأقل، بسبب شهرة الكاتب الفلاني، أو صيته الإعلامي القوي، فتتوطَّد علاقة الكاتبِ ضعيفِ الجودة مع دار النشر، ما يجعله يزداد انتشاراً وقوة، أما القارئ المثقف الذي يسعى إلى الكتب الأدبية القوية، فيسعى إلى الحصول عليها إلكترونيًّا، أو يسعى في الحصول عليها هدية من الكاتب، ما يجعل رواج هذا الكتاب الورقي ضعيفاً، فتُحجم دور النشر عن أن تكلِّف نفسها عناء توفير كتبه في الساحة، سواء في معارض الكتب أو في المكتبات، لعدم الإقبال عليها، ما يحطِّم شعبية كاتبك المفضل الذي تحب القراءة له.
تفعل بعض المؤسسات الثقافية الأمر ذاته حين تطلب من الكاتب أن يتبرع لها بكتبه، من دون أن تسعى إلى تشجيعه بشرائها ورقيًّا، وكثير من هذه المؤسسات تتمنن على الكاتب أنها تهتم به وترعاه، في حين أن الحقيقة أنها طرفٌ في كساده، وحين يكسد الكاتب تتعامل معه دور النشر بفوقية، فتتعاقد معه ضمن بنودٍ لا تمنحه حقوقه كاملة، لا المعنوية ولا المادية، اللهم إلاَّ اسمه على الغلاف، وكل ما عدا ذلك يحصل عليه الناشر.
هل عندك كاتب مفضل تحب كتاباته وتريد منه أن يزداد قوة وعطاء، وأن يعطيك الكثير مما أنت معجب به فعلاً؟ إذن شجعه، وليس مطلوباً منك في تشجيعه سوى أن تشتري كتبه ورقيًّا، ثم ما عدا ذلك اترك الأمر للكاتب، هو قادر على أن يسعدك بقلمه ويحقق مُرادك أكثر مما حققه في كتابه الأول الذي اشتريته وأعجبك.
وتأكد أن الكاتب إذا ازداد قوة، يسهل عليه أن يوفر لك كتابه ورقيًّا وإلكترونيًّا كذلك، لكن ليس وأنت ممتنعٌ عن تشجعه، ومحجمٌ عن أن تمنحه القوة الكافية كي يفعل.
التعليقات ()