هل نحن فعلاً - كما يُشاع عنا - أمةٌ لا تقرأ؟
الكلام حول هذا الموضوع طويل شائك، نختصره بكلمتين.
أغلب الشعوب العربية تعيش في شظفِ عيش، هذه الحقيقة لا نملك إنكارها، فبالكاد يحصل المواطن العربي على قوت يومه، وأسعار الكتب ترتفع في تواتر عجيب، تُعجز المقتدرَ، فضلاً عن الفقير الذي حتى إذا مَلَكَ كتباً فهمومُ عائلته وحياته فوق عاتقه، يعود إلى منزله لا يملك الوقت ولا الجهد كي يُترف نفسه في قراءة كتابٍ وعقلُهُ مشغول.
كثير من دُور النشر الغربية تطبع الكتب على طبعتين، طبعة فارهة للقادرين، وطبعة للفقراء، بسيطة الطباعة، في متناول اليد، هذه الثقافة لا نجدها إلاَّ نادراً في الوطن العربي، ثم إن كثيراً من دُور النشر العربية محدودةُ الإنتاج، تطبع في السنة الواحدة عدداً محدداً من الكتب لا تتجاوزه، وقبولُها لطباعة الكتب تعتمد على معايير معينة، وكثيرٌ من هذه المعايير ليست الجودةُ من ضمنها.. مثل هذه الأمور وكثير غيرها تجعل الإنتاجات العربية للكتب محدودة، وبالتالي يظهر العرب أنهم أقلُّ قراءةً من غيرهم.
هنالك كذلك علَّة أخرى في الوسط الثقافي العربي، علَّة غائبة عن كثيرين، وهي أن القارئ العربي إذا ما قرأ فإنه بطبيعته لا يتفاعل مع ما يقرأ، فإذا أنهى كتاباً هزَّ رأسه مستمتعاً أو مزدرئاً، ثم وضعه على رف مكتبته دون أن يتحدث أو يكتب عنه.. مثل هؤلاء القراء - وكثيرٌ ما هم - كيف نرصدهم باعتبارهم قراءً عربًا يمثِّلون عدداً؟ الكاميرا لا تلتقطهم فتخرج الأحكام غير دقيقة، وربما مجحفة.. الناظر إلى معارض الكتاب يجد ازدحاماً كبيراً فيها، أين نحن عنهم؟
أمة اقرأ تقرأ، لكنها ـ برأيي وحسب نظرتي للواقع ـ تقرأ على استحياء، وإذا قرأتْ قرأتْ سرًّا لا يعلم بها الآخرون.
هنالك كذلك أمر آخر، وهو أن الغربي والشرقي إذا ركب الطائرة، أو جلس على شاطئ البحر، أو ركب المترو والقطارات، أو سافر بأي وسيلة من وسائل المواصلات، تجد في حقيبته كتاباً يقرؤه بين الحين والآخر، بخلاف العربي لا يقرأ إلاَّ في أماكن محددة؛ في المنزل أو في مكتبه، وقليل أولئك الذين إذا خرجوا حملوا بين أيديهم كتاباً، هذا الميزان بدوره يوحي أن العرب لا يقرؤون إلاَّ قليلا.
فإذا نظرنا إلى الجيل الصاعد الآن، نجد هنالك تقدماً ملحوظاً في القراءة، مواقع التواصل الاجتماعية شجَّعت الكثيرين على اقتناء الكتب، وهنالك هممٌ عاليةٌ لدى بعض المثقفين في إنشاء مجموعات لتحدي القراءة، رسالتهم: هيا نقرأ هذا العام كيت وكيت من الكتب؛ تحدي الخمسين كتاباً، تحدي المئة كتاب، وهكذا.
أما عن القراء أنفسهم؛ كيف يقرؤون؟ وهل طريقتهم في القراءة سليمة أم سيئة؟.. هذا موضوع كبير للطرح، قد نتطرق إليه في مقال لاحق.
التعليقات ()